Saturday, September 13, 2008

المصدر: العربية. نت
دبى - حكم البابا
13/9/2008
مع كل تحفظاتي التي أرددها في كل مرة أتناول فيها فيلما ينتمي لموجة الكوميديا الشبابية في السينما المصرية، والتي أعتبرها من حيث القيمة والمستوى أدنى حتى من فترة سينما المقاولات التي مرّ بها الإنتاج السينمائي في مصر نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، فإني لا أنكر استظرافي لبعض الأيفيهات التي تمر أحيانا في أفلام محمد هنيدي، والتي تذكر بالفترة الذهبية لأدائه التمثيلي عندما كان يؤدي الأدوار الثانية، ولا أنكر إعجابي بخفة أحمد حلمي وإن كنت أفضل مشاهدته وهو يجري حوارات مع الأطفال في البرنامج التلفزيوني الذي أطلقه عبر شاشة الفضائية المصرية، ولا أنكر تقديري لشجاعة محمد سعد الذي ومن أجل الفلوس فقط يمسخ نفسه ويقوم بتقليد الكائنات ما قبل البدائية، إن لم أقل تلك التي ترعى وتفترس من مخلوقات الله ذوات القوائم الأربعة، لكن الشخص الوحيد من بين كل هؤلاء "النجوم الجدد" الذي لم أتمكن من العثور على صيغة استلطاف أو استظراف أو إعجاب أو حتى مجرد قبول له أو لأي من أعماله، ولو كان مشهدا واحدا يسمح لي بإيجاد مبرر أو ذريعة أمام نفسي تردعني عن السؤال.. ماذا يفعل هذا الشخص على الشاشة؟ ومن أقنعه بفكرة التمثيل؟ هو تامر حسني، ولطالما ناجيت ربي عندما أضطر لمشاهدة فيلم من بطولته قائلا: يا رب إذا كان للبعض أمنية بأن يحصل على رزق كثير ومال وفير وغنى في المال والولد، وإذا كان للبعض حلم بأن تتحرر أرضه وينال حريته وينتصر على غاصبي حياته، فإن أقصى ما أرجوه منك يا رب هو أن يتوقف تامر حسني عن التمثيل ويعثر لنفسه على مهنة تجعلني لا أرى وجهه ولا أسمع صوته، وأن يكون الفيلم الذي أراه اليوم آخر أفلامه! رددت هذا الدعاء خلال أفلام سابقة شاهدتها لتامر حسني، وأعدت ترديد الدعاء من جديد عندما شاهدت مؤخرا فيلمه الأحدث "كابتن هيما"؛ لأني على ثقة بأن أعمال السيد حسني لا يرد على بأي نوع من أنواع الكتابة، ولا تجابه بالنقد، والحل الوحيد لمعالجتها هو الدعاء لله رجاء رحمته بعباده.في "كابتن هيما" يقدم تامر حسني شخصية إيجابية مائة بالمائة، وباستثناء وضعه الاقتصادي الصعب الذي لا نرى أي مظهر من مظاهر صعوبته سوى أنه يعمل سائقا لباص مدرسة أطفال، يمتلك كل الصفات الإيجابية التي تجعله محبوبا من الجميع، فهو عاشق مثابر للمدرّسة الوحيدة التي تظهر في الفيلم، وأخ مثالي للأخت التي نجت من حادث سيارة راح ضحيته والده ووالدته، وجار استثنائي للمواطن المسيحي وعلاقتهما مثال ناجح للتعايش بين الأديان، رؤوف بأطفال مدرسته يجد لهم الأعذار ويتفانى في حمايتهم ويتدخل حتى في تربيتهم، وشديد على الأشرار يواجههم لوحده وينتصر عليهم، خفيف الظل ومسل لكل من حوله، ومنذ المشهد الأول الذي يلتقي فيه السائق تامر حسني بالمدرّسة التي تؤدي دورها الممثلة زينة يتأكد المشاهد بأنهما سيحبان بعضهما البعض، ورغم دخول ثري ومتنفذ إلى حياة المدرّسة بنية الزواج، يعلم المشاهد علم اليقين ومنذ اللحظات الأولى بأن المدرّسة التي تنتمي للطبقة العليا وتعيش في بيت فاخر ستفضل سائق الباص الفقير على الثري المتنفذ، وستستبسل في الدفاع عنه، ورغم قوة الغريم الثري المتنفذ وشدة سطوته وقسوة رجاله وألاعيبه التي يقوم بها والجرائم التي يرتكبها لتوريط منافسه على قلب المدرّسة سائق الباص، إلاّ أن المشاهد لا يشك ولو للحظة بأن الأخير سيخسر أمام الأول، ويشعر باطمئنان طوال الفيلم بأن الخير سينتصر على الشر والحب على الكره في النهاية، وكل ذلك سببه في رأيي أن السيناريو مبني على طريقة خلطات وتحويجات الطب الشعبي، وليس حسب أي نوع من أنواع القوانين والقواعد والأسس المعمول بها في أي نوع من أنواع الكتابة الدرامية المعروفة في العالم، والإخراج يستخدم أسلوب مصور الفوتوغراف المتخصص بصور البطاقات الشخصية والكارنيهات، وكل مهمته لا تتجاوز تصوير الحدث المكتوب في تحويجة السيناريو، من دون أن يفكر أو يناقش الدلالة اللازمة للصورة والجماليات البصرية المطلوبة فيها ومنها، والبناء المنطقي للشخصيات والأحداث، أما التمثيل فهو كارثة الكوارث في الفيلم، فعلى الرغم من وجود شخصيات عديدة في الفيلم إلاّ أن فاعلية أدوارها لا تتعدى مفهوم دور الكومبارس، والتي تسخر جميعا لخدمة صورة البطل الرئيس الذي يؤدي دوره في الفيلم تامر حسني، والعياذ بالله. أخيرا ومن خلال متابعتي للإنتاج السينمائي الحالي في مصر، وباستثناء أفلام نادرة، صرت أشعر أني لا أتابع أعمالا فنية، وإنما أشهد منافسة محمومة في تحطيم الأرقام القياسية في مسابقة خاصة بالرداءة والابتذال وتدني المستوى الفني والفكري، وها هو "كابتن هيما" يسجل رقما قياسيا جديدا في تلك المسابقة محطما الأرقام التي سجلتها أفلام سابقة له!

No comments: