جعلتني مجرماً: فيلم أزمات السينما المصرية
23/12/2006
المصدر: العربية.نت
دبى - حكم البابا
لا أظن أن صنّاع فيلم "جعلتني مجرماً" الذي يعرض الآن في الصالات كان هدفهم من انتاجه تقديم نموذج واقعي على الأزمات التي تعاني منها السينما المصرية اليوم، ولكن ورغم عدم توفر هذه النية المسبقة فقد ظهر الفيلم بالصورة التي يمكن لأي باحث أو ناقد أن يشير إليه باعتباره مثالا،ً حين يتحدث عن أزمة نص أو أزمة تمثيل أو أزمة إخراج أو أزمة انتاج أو أزمة جمهور في السينما المصرية، لأنه يجمع كل هذه الأزمات دفعة واحدة في التركيبة التي عرض بها في الصالات.فنص "جعلتني مجرماً" ليس أسوأ من النصوص التي تعتمد عليها سينما الكوميديا المصرية الشابة، في كل أفلام هذه المرحلة، وليس أفضل، فهو يجمع إلى عصامية البطل وتوقه إلى الحياة الكريمة، نبالة عواطفه وسموها في تعاطفه مع أزمة الفتاة التي تخطفه مدعية الشلل ومن ثم قبوله أداء دور خاطفها، وتحول هذا التعاطف الانساني إلى مشاعر حب، ثم إلى استياء بعد اكتشافه كذب الفتاة عليه، وأخيراً إلى مسامحة لينتهي الفيلم النهاية السعيدة التي بدون وجودها سيشعر مشاهده بأنه طعن في الظهر، ولو جردنا الفيلم من مجموعة ايفيهات تلقى ونكات تنثر على مدار عرض الفيلم، فحبكة قصته ستعتبر من وجهة نظر أي طفل لو روتها له جدته في محاولة لحثه على النوم ساذجة ومفككة وركيكة وغير قابلة للتصديق، وأي مشاهد للفيلم يستطيع أن يعرف نهاية أي مشهد في الفيلم بعد سماعه الجملة الأولى من حوار أي شخصية من شخصياته، ولولا الرشوة التي يقدمها صناع الفيلم لمشاهدهم عبر الايفيه الضاحك حوارياً، لما تمكن أي مشاهد من متابعة فيلمهم حتى نهايته، وباستثناء الأداء اللطيف لحسن حسني في دور الثري البخيل، لايوجد ممثل لديه حضور طريف في الفيلم، بما في ذلك بطله أحمد حلمي الذي اعتمد على حوار مكتوب لمهرج لا لممثل، وعلى حركات أقرب إلى البهلوانية منها إلى الأداء التمثيلي لاضحاك المشاهد، الذي ينتظر طوال الوقت سماع الايفيه التالي الذي سينطق به أحمد حلمي، من دون أن يعير أدنى اهتمام لتعابير وجهه أو لحركة جسده، ولهذا السبب بالذات يمكن اعتبار هذا الفيلم نموذجاً لأزمة الممثل، فضلاً عن كونه أحد أمثلة أزمة النص التي تعاني منها الكوميديا السينمائية المصرية الشبابية.ما أدهشني فعلاً وأنا أتابع الفيلم في الصالة هو تعالي الضحكات واستمرارها طوال مدة عرض الفيلم من قبل الحضور، والتي أصغيت إليها بمقدار اصغائي للفيلم، وراقبت اللحظات التي تعلو فيها وتلك التي تخفت فيها، لأكتشف أن جمهور الصالة كان يضحك بشكل يصل إلى حد القهقهة على الايفيه والنكتة الكلامية، وبعضها مضحك فعلاً، ويكاد يصمت أمام افتعال ممثلي الفيلم لحركات الاضحاك، ولمجمل مواقف الفيلم وأحداثه، مما يقرب "جعلتني مجرماً" من الكوميديا الاذاعية، التي يمكنها استثارة الضحك بدون الحاجة إلى الصورة التي بدت عنصراً زائداً عن حاجة المشاهد، وأمام مشهدي الفيلم والجمهور اللذين كنت أتابعهما بالتوازي، وجدت أن هناك إحدى طريقتين لمشاهدة هذا الفيلم، فإما أن تشاهده معتبراً أن الله وهبك عقلاً للاستعمال وليس لتعبئة فراغ في الرأس، وعندها ستطرح مئات الأسئلة عن كل حدث من أحداث الفيلم، ومصادفاته اللامتناهية التي لو حذفت أياً منها فسيتداعى بناء الفيلم كلّه، وإما أن تشاهده بعد وضع عقلك في مركز الأمانات وأخذ رقم به حتى لايختلط بعقول الآخرين قبل الدخول إلى الصالة، وبهذه الطريقة يمكن أن تضحك بشدة، ولكن لا يمكنك بأية حال أن تقول بأنك شاهدت فيلماً سينمائياً.أزمة "جعلتني مجرماً" الحقيقية هي أزمة جمهور يريد أن يدخل إلى السينما ليفرفش، بغض النظر عن قصة يتابع أحداثها أو خيوطها الدرامية، أو ممثلين يقدمون أمامه شخصيات صعبة أو على الأقل يمثلون، أو إخراج لا يكتفي بتصوير المسامع الاذاعية بصرياً فقط، أو انتاج يحصر همه بشخصيات ومواقع تصوير قليلة، جمهور مختلف عن ذلك الذي قدمت له السينما المصرية أعمالاً غدت علامات، جمهور يذهب إلى السينما كما يذهب إلى غرزة حشيش أو مقهى لينسى همومه ويسلي نفسه ويأخذ إجازة من أزماته لساعتين من الزمن!
لا أظن أن صنّاع فيلم "جعلتني مجرماً" الذي يعرض الآن في الصالات كان هدفهم من انتاجه تقديم نموذج واقعي على الأزمات التي تعاني منها السينما المصرية اليوم، ولكن ورغم عدم توفر هذه النية المسبقة فقد ظهر الفيلم بالصورة التي يمكن لأي باحث أو ناقد أن يشير إليه باعتباره مثالا،ً حين يتحدث عن أزمة نص أو أزمة تمثيل أو أزمة إخراج أو أزمة انتاج أو أزمة جمهور في السينما المصرية، لأنه يجمع كل هذه الأزمات دفعة واحدة في التركيبة التي عرض بها في الصالات.فنص "جعلتني مجرماً" ليس أسوأ من النصوص التي تعتمد عليها سينما الكوميديا المصرية الشابة، في كل أفلام هذه المرحلة، وليس أفضل، فهو يجمع إلى عصامية البطل وتوقه إلى الحياة الكريمة، نبالة عواطفه وسموها في تعاطفه مع أزمة الفتاة التي تخطفه مدعية الشلل ومن ثم قبوله أداء دور خاطفها، وتحول هذا التعاطف الانساني إلى مشاعر حب، ثم إلى استياء بعد اكتشافه كذب الفتاة عليه، وأخيراً إلى مسامحة لينتهي الفيلم النهاية السعيدة التي بدون وجودها سيشعر مشاهده بأنه طعن في الظهر، ولو جردنا الفيلم من مجموعة ايفيهات تلقى ونكات تنثر على مدار عرض الفيلم، فحبكة قصته ستعتبر من وجهة نظر أي طفل لو روتها له جدته في محاولة لحثه على النوم ساذجة ومفككة وركيكة وغير قابلة للتصديق، وأي مشاهد للفيلم يستطيع أن يعرف نهاية أي مشهد في الفيلم بعد سماعه الجملة الأولى من حوار أي شخصية من شخصياته، ولولا الرشوة التي يقدمها صناع الفيلم لمشاهدهم عبر الايفيه الضاحك حوارياً، لما تمكن أي مشاهد من متابعة فيلمهم حتى نهايته، وباستثناء الأداء اللطيف لحسن حسني في دور الثري البخيل، لايوجد ممثل لديه حضور طريف في الفيلم، بما في ذلك بطله أحمد حلمي الذي اعتمد على حوار مكتوب لمهرج لا لممثل، وعلى حركات أقرب إلى البهلوانية منها إلى الأداء التمثيلي لاضحاك المشاهد، الذي ينتظر طوال الوقت سماع الايفيه التالي الذي سينطق به أحمد حلمي، من دون أن يعير أدنى اهتمام لتعابير وجهه أو لحركة جسده، ولهذا السبب بالذات يمكن اعتبار هذا الفيلم نموذجاً لأزمة الممثل، فضلاً عن كونه أحد أمثلة أزمة النص التي تعاني منها الكوميديا السينمائية المصرية الشبابية.ما أدهشني فعلاً وأنا أتابع الفيلم في الصالة هو تعالي الضحكات واستمرارها طوال مدة عرض الفيلم من قبل الحضور، والتي أصغيت إليها بمقدار اصغائي للفيلم، وراقبت اللحظات التي تعلو فيها وتلك التي تخفت فيها، لأكتشف أن جمهور الصالة كان يضحك بشكل يصل إلى حد القهقهة على الايفيه والنكتة الكلامية، وبعضها مضحك فعلاً، ويكاد يصمت أمام افتعال ممثلي الفيلم لحركات الاضحاك، ولمجمل مواقف الفيلم وأحداثه، مما يقرب "جعلتني مجرماً" من الكوميديا الاذاعية، التي يمكنها استثارة الضحك بدون الحاجة إلى الصورة التي بدت عنصراً زائداً عن حاجة المشاهد، وأمام مشهدي الفيلم والجمهور اللذين كنت أتابعهما بالتوازي، وجدت أن هناك إحدى طريقتين لمشاهدة هذا الفيلم، فإما أن تشاهده معتبراً أن الله وهبك عقلاً للاستعمال وليس لتعبئة فراغ في الرأس، وعندها ستطرح مئات الأسئلة عن كل حدث من أحداث الفيلم، ومصادفاته اللامتناهية التي لو حذفت أياً منها فسيتداعى بناء الفيلم كلّه، وإما أن تشاهده بعد وضع عقلك في مركز الأمانات وأخذ رقم به حتى لايختلط بعقول الآخرين قبل الدخول إلى الصالة، وبهذه الطريقة يمكن أن تضحك بشدة، ولكن لا يمكنك بأية حال أن تقول بأنك شاهدت فيلماً سينمائياً.أزمة "جعلتني مجرماً" الحقيقية هي أزمة جمهور يريد أن يدخل إلى السينما ليفرفش، بغض النظر عن قصة يتابع أحداثها أو خيوطها الدرامية، أو ممثلين يقدمون أمامه شخصيات صعبة أو على الأقل يمثلون، أو إخراج لا يكتفي بتصوير المسامع الاذاعية بصرياً فقط، أو انتاج يحصر همه بشخصيات ومواقع تصوير قليلة، جمهور مختلف عن ذلك الذي قدمت له السينما المصرية أعمالاً غدت علامات، جمهور يذهب إلى السينما كما يذهب إلى غرزة حشيش أو مقهى لينسى همومه ويسلي نفسه ويأخذ إجازة من أزماته لساعتين من الزمن!
No comments:
Post a Comment