Wednesday, April 2, 2008


فيلــم بوليسي طائش الخيــال "نقطـــــة رجـــــوع" ‏...‏ إلى ما لا يمكن إليــه الرجــوع!‏


2/4/2008

كتب ‏- ‏نـــادر عــــــدلي‏ - جريدة الاهرام


بعض الأفلام البوليسية تكون مثيرة و مسلية بدرجــة كافيــة‏،‏ و بعضها يخرج منه المشاهد و لســـان حاله يقول قديمــة‏! ...‏ ومنها من يجعل النقاد يخرجون من العرض باحثين عن أصوله السابقة ‏..‏ و منها من يدخل مع المتفرج في ألعــاب الذكاء ســــواء في أسلوب المعالجة أو البناء الدرامي للحبكة البوليسية‏،‏ وفي كل الأحوال يتوقف نجاح الفيلم على مهارة جذب المتفرج و إثارته لأطول فترة ممكنة‏،‏ و إقناعه بأن المبالغة ســــواء في الحركة أو المطاردات‏،‏ و في السرد اللاهث و مفاجآته و تطوراته‏،‏ جاءت ممتعة و مزودة بجماليات فنــــون الفُرجــــة‏.‏ في فيلم"نقطـــــة رجـــــوع" تقوم الفكرة البوليسية على أساس أن المتفرج مثله مثل بطل الفيلم شريف منير لا يعرف أي شيء ســـوى أن البطل أصيب بشكل بالغ الخطورة في حادثة مروعة‏،‏ هذه الحادثة جعلت وجهه مشوهــًا لدرجة احتاج معها إلى ‏14‏ عملية تجميل حتى تعود له ملامحه‏،‏ و تكسرت عظامه و لكن تم ترميمها و إصلاحها‏! ..‏ و بقي الشيء الأهـــم والذي تدور حوله كل الأحـــداث و هو أن يسترد ذاكرتــه‏.‏ و نبدأ مع البطل رحلة رجوع للذاكرة‏،‏ أو نقطة رجـــوع لما حدث قبل الحادثة‏،‏ و ندخل في تفاصيل كثيرة حول هاشم‏،‏ بطلنا فاقد الذاكرة‏،‏ إنــه رجل متعدد العلاقات النسائية و دائم الخيانة لزوجته‏،‏ و بعد قليل نعرف أن زوجته أيضــًا كانت خائنة مع رجل أحبته‏،‏ وأنها قررت الطلاق من هاشم لتتزوج هذا الآخر ‏..‏ ولكن يبدو أن الأمـــر ليس بهذه السهولة لأن هاشم يرتبط بعلاقات مع والدها و بعض الشخصيات المهمة تتعلق بتجارة المخدرات و أشيـــاء أخــــرى‏!‏ تعاني الزوجة نـــور من بعض الاضطراب النفسي ‏(‏وهذا شيء طبيعي فتكفي علاقات زوجها‏،‏ وتجارة والدها معه ليحدث هذا الاضطراب مع أي امرأة عادية‏)!‏ و لكنها بالتأكيد ليست امرأة عادية‏،‏ إنها داهية و تعرف كل شيء‏،‏ و تجمع الخطوط وتحركها بمهارة ‏..‏ و نكتشف مع النصف الثاني من أحداث الفيلم أنها حاملة كل الأسرار‏،‏ ومدبرة كل الخطط ‏..‏ وأنها عندما وقفت إلى جوار زوجها الخائن بعد الحادثة المروعة‏،‏ كانت تدبر خدعة مدهشة تتلخص في أن عمليات التجميل لملامح زوجها كانت لملامح حبيبها حتى يصبح شبيهــًا بزوجهــا‏،‏ فزوجها هاشم قد مات مقتولاً قبل الحادثة ‏..‏ فقررت أن تعيش – بعــد الحادثــة – مع جسد حبيبها وملامح زوجها و روح فاقدة الذاكرة‏ ..‏ هكذا‏!‏ فكرة بوليسية لا بأس بها‏،‏ بل جيدة من المؤلفين الشقيقين إبراهيم حامد و محمود حامد‏،‏ ولكن يبقى شيء يقلق المتفرج طوال أحــداث‏،‏ ومع تتابع كشف الحقيقة جعل الإثــارة و المتعــة بالعمل البوليسي ناقصة و غيـــر مُحكمة‏،‏ و نتعرف على السبب في المشاهد النهائية ‏..‏ فمهما كانت درجة الخيال و الحدوتة البوليسية لابـــد من وجود منطق لا يصطدم بالعقل‏،‏ فلا تفسد اللعبة البوليسية الذكية‏،‏ و هذا ما لم ينتبه له المؤلفان و المخرج حاتم فريد‏،‏ و هو أنــــه من المستحيل أن تتغير ملامح وجه إلى ملامح وجه آخـــر حتى بإجراء مليون عملية تجميل‏،‏ إلا إذا كان الشخصــان متشابهين أصـــلاً‏! .. ‏أيضــًا حركة الجسم و تكوينه لا يمكن أن تتطابق بين شخصين و هو ما انتبه إليه المؤلفان و المخرج‏،‏ فجعـــلا إحــدى عشيقات البطل ‏(‏هيدي كـــرم‏)‏ تكتشف أن اليد التي تحتضن يديهـــا ليست لعشيقهــا القديم‏ ..‏ مجرد إشـــارة‏،‏ تم توظيفها لقتل هذه العشيقة ليظل الفيلم بوليسيــًا‏ ..‏ هذه تفصيلة ليست عابرة في لعبة بوليسية‏،‏ إنها تفصيلة أساسية من السهل أن تفسد مصداقيــة الحبكة البوليسية ‏..‏ الأمـــر الآخــر أن الشخصية الأساسية في الأحـــداث هي الزوجــة و ليست الرجل فاقد الذاكرة‏،‏ و إهمال السيناريو لذلك بهدف تحقيق أكبـــر قدر من الإثــارة ‏..‏ و الاحتفاظ بهذه المفاجــأة حتى النهاية أضعف فكــرة الفيلم‏.‏ لا بأس ‏..‏ فهو فيلم مسلٍ في مجمله‏،‏ ولكن مفاجــأة النهاية أفقدتنا متعة الإعجاب به‏،‏ بدلاً من أن تحققها‏! ..‏ ولعل عنوان الفيلم نفسه يكشف ذلك‏،‏ فالمقصود من نقطة رجوع ان نستعيد مع البطل ما حدث و أدى إلى الحادثة المروعة ‏..‏ لنجد أنفسنـــا في النهاية أنه من المستحيل تحقيق هذا الرجوع‏ ..‏ فالبطل قد مات‏،‏ و من نبحث معه عن الذاكرة هو رجل آخر بملامح بطلنا ‏..‏ وكأن المؤلفين و المخرج يقولون للمتفرج هيه ‏..‏ ضحكنا عليك‏.‏ حتى الأفــــلام البوليسية لها منطقهــا و مصداقيتهــا و خيالهــا‏ ..‏ و ليست مجرد خيــال طائش وحبكة و إثــارة‏.‏ لعب شريف منير دوره بشكل جيد ولكن في إطـــار فيلم اجتماعي و ليس فيلم بوليسي‏،‏ و كانت نور مقنعة و متفهمة الشخصية رغم إهمــال السيناريو لهــا ‏..‏وكان إسنـــاد كشف بعض خفايــا الأحـــداث مع ضابط أمــن سابق محمد شومان اعتزل المهنة‏،‏ و يمارسها على سبيل الهواية‏،‏ و التربح جاء ضد الفيلم‏،‏ و لم يكن أداؤه مقنعــًا ‏..‏ و عمومــًا فإن المخرج الشاب حاتم فريد يقدم نفسه بهذا الفيلم كصانع أفلام يعرف أدواته و يجيد توظيفهــا‏،‏ وكان يجب أن يبذل جهــدًا أكبـــر حتى نصدقه‏.

No comments: