Saturday, March 29, 2008


نقطة رجوع .. الفيلم والاقتباس الفاضح
ايهاب التركى - جريدة الدستور
29/ 3/2008
" نقطة رجوع" .. دراما نفسية تحمل حبكة مثيرة لكنها أجنبية الملامح يقدم فيلم "نقطة رجوع" نوعية غير مطروقة كثيراً فى السينما المصرية، وهو نوعية الفيلم التى يعتمد على حبكة غامضة، وكثير من الألغاز والتساؤلات التى لاتتضح اجاباتها الا فى نهاية الفيلم، وهذه النوعية من الأفلام تظهر - مؤخراً - بين الحين والأخر فى أفلام تحاول شق الطريق لنوعية مختلفة من السينما عن الشكل السائد الحالى، و أغلب الأفلام التى حاولت سلك درب سينما الغموض والتشويق لاتحمل رؤية سينمائية مميزة أو مجهود فنى وتحاكى أغلبها الشكل الهوليوودى لسينما الغموض، ولكن فى فيلم "نقطة رجوع" شيئاً ما مختلف، فهناك شكل متماسك للصورة والحالة السينمائية على الشاشة، وهناك مجهود واضح للمخرج "حاتم فريد" فى تحقيق حالة غموض سينمائية تمزج بين فلاشات بصرية وحركة كاميرا قلقة فى التصوير الخارجى، أضاف اليها أداء "شريف منير" النفسى لشخصية هاشم الذى يعود للحياة من حادث سيارة مميت الى الحياة بوجه مشوه، وبدون ذاكرة، وتحمل عودة هاشم بعد العديد من عمليات التجميل ليستعيد فيها وجهه قدر كبير من التساؤلات حيث يعيش حياته مجرد من أى ذاكرة، معتمداً على المعلومات التى تمنحها له زوجته ليلى "نور"، وهى المعلومات التى تتناقض بعد ذلك مع كثير من الحقائق التى تتكشف للبطل فى رحلته للبحث عن حقيقة شخصيته، وعن حقيقة ماحدث فى ماضيه، والفيلم بشكل عام يبنى حبكته على حقائق غير مؤكدة دائماً، أو متناقضة فى أحيان أخرى مع بعضها، فالمشاهد لايعلم حقيقة شخصية "هاشم" وطبيعة علاقته بزوجته، وحقيقة اخلاصها من عدمه، وكذلك حدود ماضى "هاشم" وخفايا عمله وعلاقاته النسائية، واذا كان الفيلم حافظ على غموض حبكته حتى المشهد الأخير على طريقة روايات أجاثا كريستى الشهيرة، فان حرمان المشاهد من أية توضيحات معظم أحداث الفيلم جعل حالة الغموض الدائم تتسبب مع مرور الوقت الى فتور فى المشاهدة، خاصة أن حركة الأحداث الحقيقية وتطوراتها لم تحدث فعلاً الا فى الربع الأخير من الفيلم الذى تم اختزال كثير من أحداثه خاصة ماحدث فى الفيللا المهجورة بعد رحيل "هاشم" و"ليلى" منها، ورغم مافى الفيلم من بعض المميزات من ناحية الشكل أو التكنيك السينمائى، الا أن القصة والشخصيات لاتبدو مصرية على الاطلاق، فالفكرة التى كتبها "محمود حامد" و"ابراهيم حامد" أجنبية الملامح، والشخصيات لاتحمل الجذور المصرية خاصة شخصية "همام" التى قام بها الممثل "محمد شومان"، وهى شخصية ضابط شرطة سابق يعمل كمخبر خاص يؤجره البطل للتجسس على زوجته والتقاط الصور لها مع عشيقها، وشخصية المخبر الخاص موجودة فى المجتمع الأمريكى، وهى احدى الشخصيات التى تم بناء كثير من أفلام الجريمة والغموض الأمريكية عليها من أشهرها دور "جاك نيكلسون" فى فيلم "الحى الصينى"، ويضاف لذلك طبيعة العلاقة الغريبة بين البطلة وصديقتها التى هى أيضاً زوجة سابقة للبطل، وهى علاقة مركبة وغير مألوفة، وجميع تلك الخيوط الغريبة والغربية الطابع تخصم الكثير من مصداقية الفيلم الذى يبدو كتمصير غير متقن لفكرة أجنبية تنتمى الى تفاصيل اجتماعية غير مصرية، وعلى مستوى الحبكة نفسها هناك كثير من الثغرات والتساؤلات التى لاتحمل اجابات ومن بينها لماذا يحتفظ القاتل فى الفيلم بجثة القتيل فى ثلاجة؟! ولماذا لايقوم ببساطة بدفنها لاخفاء معالم جريمته نهائياً؟ وكيف نسى البطل تماماً انه يرسم رغم تأكيد الأطباء انه كفاقد للذاكرة لاينسى الأشياء الروتينية التى كان يقوم بها فى حياته اليومية؟ واذا عكسنا الأمر فالمفترض انه سيجد نفسه لايفهم شىء فى الهندسة المعمارية أو العقارات أو أى شىء من تفاصيل عمله. ساهم أداء الممثلين فى دعم الفيلم بشكل عام، واستطاع "شريف منير" فى الفيلم أن يتحمل العبء الأكبر للشخصية الرئيسية بالفيلم، وتمكن من تقديم الشخصية بتعقيداتها النفسية وظروفها المرتبكة بصورة جيدة للغاية، وقد حافظ على نظرات عينيه الزائغة القلقة المعبرة عن عدم الثقة بمن حوله، وتمكن من احتواء الشخصية بأداء غلب عليه حالة الدهشة التى يعيش فيها البطل، وتمكنت "نور" من التعبير عن شخصية الزوجة ليلى بأداء هادىء وبسيط ساهم كثيراً فى اضفاء الدهشة على تحول شخصيتها الهيستيرى المفاجىء فى نهاية الفيلم، وأضاف "محمد شومان" قدر من التلقائية على دوره الذى تراوح بين الشخصية الشريرة الاستغلالية وبين الشخصية النبيلة الخيرة التى لاتقبل بالخطأ وبالجريمة، وكان أداء "محمد سليمان" و"هيدى كرم" مقبولاً فى حدود دورهما. أضافت موسيقى "خالد حماد" الكثير من الاثارة والتشويق للعمل، وكانت معبرة فى أغلب مشاهد الفيلم عن الخلفية النفسية للشخصيات وللحدث. " نقطة رجوع" .. السرقة والاقتباس جرت العادة فى الأفلام المصرية الحالية حينما يحمل السيناريو الخاص بها بعض ملامح حبكة ذكية يقفز الى الذهن فيلم أمريكانى مشهور تتشابه أحداثه مع الفيلم المصرى بصورة كبيرة، وتتطابق أحياناً بعض مشاهد الفيلم المصرى مع الفيلم الأمريكانى بصورة ساذجة، وبدون بذل أدنى مجهود للاختلاف عن الأصل الأجنبى ، وفى كثير من الأحيان يمكن اكتشاف السرقة من مجرد مشاهدة تريلر الفيلم، ويمكن توقع مسار الفيلم وأحداثه منذ المشهد الأول، ولكن هناك بعض الأفلام القليلة تحاول الاختلاف قليلاً فى سرد الحبكات المشهورة للأفلام المعروفة، والبعض الأخر يمزج السرقة بالاحتيال حينما يلملم خط درامى من فيلم، ويلحمه بخط درامى من فيلم أخر، وفى النهاية يشعر المتفرج والناقد انه لايشاهد فيلماً، وانما يعيش فى حالة نفسية غريبة كظاهرة Déjà vu وهى الحالة النفسية التى يقع فيها الانسان حينما يعيش موقف فى الحاضر، ولكنه يشعر انه رآه من قبل، ولكنه لايدرى أين؟ ومتى؟ ومشاهدة فيلم "نقطة رجوع" الذى كتبا السيناريو له كلا من "محمود حامد" و"ابراهيم حامد" تصيب المتفرج بجميع ماسبق، فالفيلم يتناول حكاية هوليوودية للغاية، حادث سيارة مروع لمهندس ثرى وزوجته الجميلة تخرج منه الزوجة "ليلى" بخدوش بسيطة، فى حين يتشوه وجه الزوج "هاشم" تماماً، ويفيق من غيبوبة وقد فقد ذاكرته، وبعد عدد من عمليات التجميل يعود الزوج الى عمله وحياته بدعم من زوجته المخلصة المتفانية، وينهمك الزوج فى محاولة تذكر ماضيه وتفاصيل حياته من خلال سؤال من حوله عن ماضيه خاصة شريكه "عادل" وصديقة زوجته "سهام"، ويلتقى الزوج بهمام وهو صاحب مغسلة سيارات يعمل بعض الوقت كمحقق خاص يساعده على كشف بعض تفاصيل ماضى حياته المعقد، ونعرف ان البطل كان يستعين قبل الحادث بخدمات المخبر الخاص لتتبع وتصوير زوجته التى كانت تخونه مع شخص يدعى "سليم"، وبعد العديد من المواقف تنكشف الأحداث فى النهاية ونعلم أن البطلة أطلقت الرصاص على زوجها وقتلته أثناء مشاجرة بينهما بسبب خيانة الزوجة، وان من كان يرافقها فى السيارة لحظة الحادث هو عشيقها "سليم" الذى ساعدها على اخفاء الجثة فى فيللا مهجورة يملكها الزوج القتيل، وبعد الحادث دبرت "ليلى" عملية احتيال فى المستشفى بتزييف هوية عشيقها الذى أصبح بعد عدة عمليات تجميل نسخة من زوجها، والفيلم فى مجمله ليس سيئاً على مستوى الأداء أو الاخراج أو التصوير والموسيقى، ولكن كل هذا المجهود خرج من رحم تقليد أعمى للفيلم الهوليوودي "الحطام"
Shattered
من انتاج عام 1991 وهو مأخوذ عن رواية كتبها "ريتشارد نيللى" وقام بكتابة السيناريو له مخرج الفيلم نفسه "فولفجانج بيترسون"، وقام ببطولته الممثل "توم برينجر" والممثلة "جريتا سكاتشى" فى دور الزوجين، ومعهما الممثل "توم هوسكنس" فى دور المخبر الخاص، والحقيقة أن سيناريو فيلم "نقطة رجوع" يتجاوز حتى "تجاوزات" السينما المصرية المعروفة فى الاقتباس، فهو لايقتبس الحبكة، ولايسرق كام مشهد من الفيلم الأمريكى، بل قام بعملية اقتباس فاضحة تم فيها نقل ونهب جميع مشاهد الفيلم الأمريكى تقريباً بنفس تفاصيلها وترتيبها وتتابعها على الشاشة، وياريت الأمر انتهى عند ذلك، بل ان حوار الفيلم يكاد يكون مجرد ترجمة من اللغة الانجليزية الى العامية المصرية، واقتصر ابداع كاتبا السيناريو على تغيير أسماء الأبطال من "دان" و"جوديث" و"جاس" و"جينى" الى "هاشم" و"ليلى" و"همام" و"سهام"، وأيضاً تغيير أسماء الشوارع والأحياء الأمريكانية الى أخرى مصرية، وماعدا ذلك هو مجرد مجهود تفريغ شريط الفيديو أو اسطوانة الديفيدى التى تحتوى على الفيلم الأمريكى، واذا وجد بعض الاختلاف البسيط فهو لايعود الى رغبة فى الاختلاف أو الابتكار أو تطوير تفاصيل فيلم تم انتاجه منذ 17 سنة، بل هى مجرد محاولة لتوفيق أحدث الفيلم لتلائم طبيعة العادات المحلية، أو ابتعاداً عن محاذير رقابية تتعلق بجرأة بعض مشاهد العلاقة الحميمة بين الزوجين، أما تفاصيل جميع الشخصيات والأحداث فهى متطابقة تماماً، كتفاصيل الحادث، وماجرى بين البطل وزوجته فى المستشفى من أحداث و حوار، وتحطيم الزوج للمرآة بعد دخوله منزله لأول مرة، وشك عشيقة الزوج فيه من ملمس يديه، واكتشاف الزوج للصور التى تدل على خيانة زوجته أسفل صندوق السيجار (علبة تبغ البايب فى الفيلم الأمريكى) ، وأيضاً تفاصيل ولزمات محمد شومان فى الفيلم: استعماله لبخاخة الربو، ومبالغته فى ابداء اعجابه بامكانيات الكاميرا التى يستخدمها فى التصوير، واكتشافه ان الفاكس المنسوب للعشيق تم ارساله من مكتب شركة البطل نفسه بعد مقارنة الرقم المسلسل الخاص بالفاكس المرسل منه، وحتى لمسات السيناريست المخرج فى تصميم بعض الكادرات نقلت كما هى مع عشرات التفاصيل الأخرى التى يصعب حصرها فى مقال واحد، والتى تظهر الى أى مدى يمكن أن يصل فقر الابداع والابتكار، والى أى مدى يمكن أن يتحول كتاب السيناريو الى مجرد مترجمين للسيناريوهات الأجنبية بأمانة واخلاص شديد، وقد فاق سيناريو "نقطة رجوع" جميع أشقاءه من السيناريوهات المقتبسة فى السنوات الأخيرة بانه تكاسل عن تقديم أية اختلافات خاصة به، حتى ولو من باب الحياء أو احترام المشاهد أو احترام الحق الأدبى للسيناريست "فولجانج بيترسون" والكاتب "ريتشارد نيللى" وهما كاتبا قصة فيلم "نقطة رجوع" الحقيقيان !

No comments: