عندليب الدقي.. "كُشري" سينمائي من الدرجة العاشرة
تقرير العربية نت السينمائى الاسبوعى
تقرير العربية نت السينمائى الاسبوعى
25/7/2007
دبي- حكم البابا
يخصص تقرير العربية نت السينمائي مادته الرئيسية هذا الأسبوع لفيلم (عندليب الدقي) الذي يعرض حالياً في الصالات العربية، وفيه يقدم محمد هنيدي تكراراً مملاً لافيهاته التي سبق له أن استهلكها في أعماله السابقة منذ تحوله بالصدفة إلى نجم سينمائي في فيلم (اسماعيلية رايح جاي)، عبر موضوع معاد مع بعض التحوير فيه بادخال البيئة الخليجية عليه ليبدو جديداً، وكاميرا تنفيذية فقيرة وخالية من الدلالات تقتصر وظيفتها على تصوير النص المكتوب، ولاتتعدى مهمتها مهمة المايكرفون في الدراما الاذاعية.
اكتشف "الفوارق العشرة" في عندليب الدقي
لاينتمي فيلم محمد هنيدي الأحدث (عندليب الدقي) إلى أية مدرسة من المدارس السينمائية المعروفة في العالم، فهو ليس مصنوعاً حسب قواعد فن السيناريو وأصول فن التمثيل وتقاليد فن الاخراج، بقدر ماهو مصنوع حسب وصفات كتب فن الطبخ، فأية قراءة لفقرة المقادير اللازمة لأي طبخة في أي صفحة من صفحات أي كتاب عن فن الطبخ، ستكشف الخلطة السرية التي صنع وفقها (عندليب الدقي)، وأكاد أظن أن إعداده تم في مطبخ لصناعة (الكشري) الأكلة المصرية الشعبية الشهيرة، فكما أن الكشري في أساس اختراعه يعتمد على خلط بقايا المعكرونة والعدس والرز والبصل المتوفرة في المنازل بدلاً من رميها -حفاظاً على النعمة- ومن ثم إضافة بعض المنكهات والشطة الحارة لتأخذ شكل نوع جديد من الطعام، فإن (عندليب الدقي) يعتمد على بواقي الأفلام والموضوعات والأدوار والشخصيات.
لكن ثمة فارق وحيد وجوهري أن خلطة الكشري العادي حولته إلى أكلة مستقلة بحد ذاتها، بينما لم يفلح كشري (أيمن بهجت قمر مؤلفاً ووائل إحسان مخرجاً ومحمد هنيدي نجماً) السينمائي في جعلي أتوقف عن تذكر أفلام وشخصيات ومواقف سبق لي أن شاهدتها، وأنا أراها تتكرر على الشاشة أمامي في (عندليب الدقي)، حتى ظننت أنني أشاهد نسخة مقرصنة صينية الصنع لفيلم مصري، وخيّل لي في بعض اللحظات أن الفيلم سيطرح على مشاهديه في نهايته أسئلة عن الفوارق العشرة -من تلك التي تنشرها صفحات التسلية في المجلات- بين كل مشهد من مشاهده وشخصية من شخصياته، وبين المشاهد والشخصيات الأصلية التي أعيد انتاجها لتظهر فيه، من قبيل ماهي الفوارق العشرة بين شخصية المطرب الصاعد فوزي في (عندليب الدقي) التي يؤديها هنيدي والمواقف التي تتعرض لها، وبين مثل هذه الشخصية في كل الأفلام المصرية التي بنيت على شخصية المطرب الفقير الذي يبحث عن فرصة بدءاً بأفلام الأصوات الجميلة مثل عبد الحليم حافظ ، وانتهاءً بأفلام أصحاب الأصوات النشاز؟ أو ماهي الفوارق العشرة بين حرق العلم الاسرائيلي في فيلم هنيدي (صعيدي في الجامعة الأمريكية) وكسر الزجاج الذي يحمل صورة العلم الاسرائيلي في فيلمه هذا؟ أو ماهي الفوارق العشرة بين دور الهندي الذي أداه الممثل الكويتي داوود حسين عدة مرات في عدد من الأعمال التلفزيونية وبين نفس الدور الذي يؤديه في (عندليب الدقي)؟ وقس على ذلك..هذا الفيلم له علاقة بأي شيء إلاّ بالفن، فمن الممكن اعتباره فيلماً ترويجياً سياحياً عن الشوارع والأبنية والسيارات في دبي، ومن الممكن رؤيته باعتباره درساً في فن توظيف التشوهات الخلقية التي لايد للبشر فيها من القامة القصيرة إلى خنة الصوت في أبسط وأكثر أنواع الاضحاك سذاجةً وعيباً واعتبارها وسيلة لجني المال، ومن الممكن استخدامه كنموذج عن تأثير تعاطي الحشيش على الدماغ حين يتفوه المتعاطي بكلام يظنه مضحكاً ثم يقلب على قفاه ضاحكاً على كلامه وحده، أما سينمائياً فـ(عندليب الدقي) لاعلاقة له بفن السينما، إلاّ في حال عرضه كوسيلة ايضاح لطلاب معاهد وكليات السينما باعتباره النموذج الرديء الذي عليهم أن يصنعوا نقيضه.لا أريد أن أتعاطى مع الفيلم على محمل الجد فأناقش مثلاُ منطقية أحداثه الدرامية، وكيف لم يعرف بطل الفيلم أنه يحمل جنسية خليجية وغير مصرية، وعاش طوال حياته إلى اللحظة التي توفيت فيها أمه وهو يجهل أن والده خليجي ووالدته فقط المصرية، إلاّ إذا كانت أمه قد استصدرت له مرسوماً جمهورياً بمنحه الجنسية المصرية عند ولادته من دون أن يكلف أحد من طاقم الفيلم نفسه عناء إخبار المشاهدين بذلك المرسوم، ولماذا نسي المؤلف والمخرج وكل المشاركين في الفيلم هاجس بطله بالغناء وحلمه بإصدار شريط غنائي خاص به، إلى آخره من تلك القصص التي يفترض مفبركوها أن الكوميديا تعني الاستسهال والاستهبال. أخيراً هناك تفسير واحد ووحيد يمكن لي أن أستسيغ فيه الفيلم، وأتغاضى عن كل أخطائه، وهو تفسير الفيلم على أنه يقدم صورة عميقة وغير مباشرة لتتمكن من تجاوز مقص الرقيب عن الفساد في مصر، التي تضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب، فتترك محمد هنيدي يعمل ككوميديان، بينما كان بإمكانه كما قدمه الفيلم ومن خلال مواقفه القومية ودعوته للوحدة العربية وانتصاراته على الوفود الاسرائيلية وانقاذه لشقيقه الخليجي بمساعدة شابين من الصيع اللذان يتمتعان بقدر متميز من الهبل، أن يحقق انتصارات مذهلة يللدبلوماسية المصرية وللقضايا العربية وبأقل التكاليف، فيما لو عين وزيراً لخارجية مصر أو رشح أميناً لجامعة الدول العربية بالنظر إلى فهلويته القومية كما ظهرت في عندليب الدقي
No comments:
Post a Comment