Monday, August 13, 2007

كده رضا

13/8/2007


جريدة المساء - خيرية البشلاوى
كده رضا ..... فيلم ترفيهي كوميدي خالص من النوع السهل الممتنع. يعتمد علي حكاية ظريفة. ومعالجة مركبة ومبتكرة وعلي حبكة استدعت مهارات سيناريست بخيال خلاق "أحمد فهمي" فتش عن أضعف مناطق التأثير لدي المتلقي وصوب نحوها سهامه حتي يصيب الهدف: الضحك. والمثل الشعبي الذي علمونا إياه بأن الضحك من غير سبب قلة أدب. يمكنك أن تنساه. وأنت تتابع تجليات ملكة تمثيلية يقظة ومدهشة "أحمد حلمي" تم تفعيلها من قبل مخرج "أحمد جلال" بروح فنية فتية وطازجة "أحمد جلال" ومن دون اللجوء إلي المنشطات التقليدية السوقية الحريفة التي لا يخلو منها فيلم كوميدي مصري في أغلب الأحوال. الضحك في هذه التجربة غاية في حد ذاته. ولا شيء غيره يبتغيه صُناعه. وهي الغاية والهدف من كل الأعمال الكوميدية والباقي مجرد نوافل. ولكنه يتحقق برهافة ومن دون اساءة إلي العين أو الأذن أو الذوق وبلا خسارة في الوقت المبذول في عملية الفرجة. أو الفلوس المدفوعة في ثمن التذكرة. فهو ضحك رائق خال من الشوائب الضارة. لكن ربما بنوع من التدقيق أو ان شئت الحذلقة. نلوم المخرج والمؤلف علي هذا "الثلاثي" الظريف الذي يمارس النصب بالسهولة التي يتنفس بها ومع ذلك نحبه وهو يمتعنا بألعابه وسط عالم مليء بالنصابين ومنهم أثرياء وناجحون لا يحتاجون إلي النصب من أجل مواجهة الحياة. مثل الطبيب النفسي "خالد الصاوي".. وآفة النصب حولها المخرج والمؤلف إلي أصل كل الأشياء في العمل فهي "التميمة" الرئيسية التي يبدأ بها العمل وينتهي وحولها تدور الأفعال وردود الأفعال ولكن اللعبة الحلوة تنتزع الاعجاب حتي لو تمت وفق قواعد ليست أخلاقية. فالفيلم صناعة متقدمة في مجال الكوميديا المصرية والمعروض منها حاليا "عينات" تدل علي التباين في مستوي ونوعية الموضوعات وطرق الاضحاك. ويكفينا في "كده رضا" أننا أمام عمل كوميدي بمواصفات فنية واداء تمثيلي عال وحرفية لافتة في تصنيع "الخدع" والايهام بواقعيتها. خصوصا في المشاهد التي تجمع الممثل الواحد في ثلاث "طبعات" مختلفة. كل واحد منها له طبيعة وسلوك وحضور يختلف عن الآخر.. ويتم التحاور أو الاشتباك مع بعضهم البعض من دون أن يبدد هذا اندماجك مع الموقف. قوة ثلاثية الممثل الكوميدي أحمد حلمي يعتبر - في رأيي - الأقرب إلي روح الشباب. والأقدر علي التواصل معه من دون افتعال لأن أداءه ليس متكلفا وقناعه الضاحك لا يكرس القبح ولا الزيف لو يصنع منهما عناصر للضحك. فهو شخصية انسانية في معظم الأحوال وليس مسخا أو أراجوزا أو مهرجا. أو ماريونيت تحركها أصابع مهزوزة خوفا من الاخفاق أو الفشل التجاري. واعتقد أن "كده رضا" كفيلم يمثل بالنسبة لبطله رهانا علي غزارة مفرداته التعبيرية وقدرته علي تطويعها للتعبير عن أكثر من شخصية. لأنه ليس أقل كفاءة بالطبع من أقرانه نجوم الكوميديا الحاليين الذين يلجأون إلي هذه الحيلة القديمة لتنويع أساليب التقمص والهيمنة علي انتباه المتفرج. ولست أتصور أنها مجرد صدفة أن يؤدي محمد سعد عددا من الشخصيات في فيلمه وكذك يفعل هنيدي. ثم يأتي أحمد حلمي ويؤدي في نفس الموسم وأمام الجمهور نفسه شخصية واحدة.. وبالتعبير البلدي يمكننا ان نقول "فشر" فهو "قدها وقدود" والشخصيات الثلاثة سمسم. والبرنس وبيبو يستحضرهم هذا "الفتي" بشطارة "الشومان" المتمرس وداخل إطار مركب سينمائيا يتطلب مهارات في الأداء تخضع لضرورة التمييز بين هذه الشخصيات المنفصلة. المتصلة باعتبارهم توائم باسم واحد - رضا - وبسمات مستقلة وان تشابهت ملامحهم الخارجية ومن الظلم هنا الا أتوقف أمام عنصر المكياج الذي استطاع أن يشكل وجه الممثل دون أن يشوهه أو يلغي ملامحه. وأن يصمم رأس كل شخصية بحدود واهية لكن تفصل بينها حتي لا يتوه المتفرج وأيضا عنصر الملابس الذي حدد لكل شخصية نوع ولون الملبس حتي تتناسب مع طبيعته. طفولية محببة في المقدمة الطويلة جدا التي سبقت العناوين أو صاحبتها يقدم صوت الراوي. القادم من خارج إطار الصورة حكاية التوائم الثلاثة.. حيث تظهر الأم وهي تصرخ من آلام الوضع. وبعد أن تضع الذكور الثلاثة دفعة واحدة تموت. لكن بعد أن توصي زوجها بأن يقلع عن النصب ويتفرغ لتربية الأبناء وان عازته الحيلة واحتاج إلي مساعدة فما عليه إلا أن يتذكرها. طريقة أداء الراوي مع الأداء الكاريكاتوري للأم التي تلد ثم لقطة الاطفال الرضع الثلاثة داخل اللفة وإلي جوارهم زجاجات اللبن الثلاثة "البزازة" مع الأب الذي يشبه "قرصان عجوز" بعين واحدة "لطفي لبيب" هذه العناصر معا أشاعت جوا من الفكاهة يفتح نافذة علي الجانب الطفولي عند كل واحد فينا. فالبداية مثل بدايات الحواديت "التي تبدأ ب كان يا ما كان.. أو كان فيه زمان.. الخ" التي تشعل الخيال إذا ما رويت بطريقة جذابة. وحتي يتجنب إجراءات وتبعات الحياة التي يعنيها وجود ثلاثة أبناء دفعة واحدة يطلق الأب اسم "رضا" علي الجميع. وهي حيلة ذكية من قبل كاتب السيناريو لانها تسمح بكثير من المواقف التي تجدها في كوميديا الاخطاء أو كوميديا السلوك التي تنشأ من التشابه واحتمالات تبادل الأدوار وإرباك المحيط الذي يتحرك الثلاثة في إطاره "المدرسة - النادي - المعارف - حبيبة القلب الخ الخ" فضلا عن أنها تشغل المتفرج وتضعه طوال مدة العرض في حالة انتباه بينما يتابع مسارات كل واحدة من هذه الشخصيات. ولم يغفل المؤلف الحالة النفسية التي تترتب علي وجود ثلاثة مختلفي الأطوار داخل فندق واحد فهم يتحركون ببطاقة واحدة. وبالطبع شهادة ميلاد واحدة. الأمر الذي يشكل قيدا علي حرية وحركة وكل واحد منهم فيفكرون في الهجرة بعيدا لفك هذا الاشتباك وحتي يتحقق لكل واحد منهم ذاته. وهذه ايضا "فكرة" جاءت ضمن سياق الحدوتة ولكنها أضافت من دون مباشرة تلميحا إلي مسألة "الهوية" والاحساس بالذات.. وهي فكرة تستدعي لتحقيقها أموالا تستدعي بدورها ضرورة الحاجة إلي النصب وإلي لجوء أحدهم "سمسم" وهو الأكثر حساسية وخجلا إلي الطبيب النفسي "خالد الصاوي" الذي يتضح فيما بعد أنه نصاب. وشخصية شيطانية يتسلط علي فتاة جميلة "منة شلبي" مستغلا أزمتها النفسية التي ترتبط أيضا بمسألة الهوية والجذور والنسب. ويجعل منها أداة للنصب علي الثلاثي رضا. ومن ثم يحبها الثلاثة ويخططون فرادي وجماعة من أجل الاستحواذ علي قلبها حتي تتكشف اللعبة. مصادر الترفيه في الفيلم تعود إلي القالب الذي يتسع لخيال طفولي وما يشبه الكلمات المتقاطعة لحل ألغاز لم تتضح سوي مع النهاية وباستخدام حبائل العاطفة. وحيل عالم النفس. واضطراب فتاة جميلة مثلت موضوعا للحب. ثم قبل ذلك كله القوة الضاربة الثلاثية للبطل الرئيسي. مع الأداء التمثيلي الهاديء والقوي لمنة شلبي. والساخر المراوغ لخالد الصاوي الذي يكشف عن سيطرة لافتة علي طريقة الأداء واعتماد كبير علي الايحاء. وسوف يظل أهم العناصر في هذا المشروع ظهور سيناريست لا يعتمد علي توليفة جاهزة. ولا يتعامل بمنطق "الفيديو كليب" ولا ببناء الاسكتشات الضاحكة وانما بفهم لطبيعة وأهمية البناء الفيلمي ومعني الايقاع الحركي داخل وخارج الشخصية.. واحترام ذوق المتفرج أو الارتقاء به. عموما تكشف التجارب الأولي سواء للمخرجين أو كتاب السيناريو في هذا الموسم عن أرض بكر قد تثمر أفلاما تستحق الانتماء لفن تعبيري وصل إلي مستوي مذهل من الابداع والتقدم وان كنت اعتقد ان الشروط المطلوب توافرها لتحقيق هذا الأمل مازالت صعبة. نقد الاستاذه خيريه البشلاوى جريدة المساء

No comments: