Monday, June 11, 2007

عمرو و سلمى حدوتة تفصيل ل تامر حسنى
11/06/2007

السيناريو ترفيهي استهلاكي.. علي طريقة "تيك أواي"
التوليفة مفتعلة.. تروج لأستاذ الجامعة "الكومبارس"
هل من فكرة جديدة تدور حولها قصة "عمر وسلمي" التي ألفها المطرب الشعبي الموضة تامر حسني؟؟ "عمر وسلمي" قصة حكتها السينما. ودارت حولها أغاني مطربين. واستهلكتها الحواديت القديمة. والجديد الذي يحقق للفيلم رواجه هو الجمهور الذي لا يتطور ويزداد ذوقه هبوطاً حتي وصل إلي "البدروم". وكذلك الأغنيات التي تشعلقت فوق وخلف وأمام أحداث القصة "الشماعة" التي أبدعها المطرب النابه مؤلف الفكرة والقصة. إنها الاستهانة المزمنة "بالفيلم" كدور ووسيط اجتماعي. ونوع فني يمكنه أن يكون راقياً وملهماً وجميلاً.. ثم الاستسهال الممل في اختيار أقصر الطرق للترفيه الاستهلاكي السريع. الذي أدمنه شباب لم يعد يعرف من الثقافة إلا هذا النوع الهروبي الضحل الذي يعبر عن مستوي عقلي وفكري وفني متواضع. ولا شيء يبرر هذه الموجات المتلاحقة للأفلام الفارغة وسرعة شيوعها إلا هبوط مستوي الثقافة والتعليم والذوق والسلوك العام..
سلوك عمر "تامر حسني" في هذا الشريط يحتاج إلي تأمل وتحليل اجتماعي ثقافي. وعلاقته مع أبيه رشدي "عزت أبو عوف" فضلاً عن أنواع الإفيهات الصوتية "الموبايل" والحركية واللفظية التي تخللت هذه العلاقة. ثم مستوي الهزار وأنماط العلاقات بين الطلبة والطالبات داخل الكلية الكندية "C I C". والصورة الضمنية الرديئة لهذه المؤسسات التعليمية ذات الأسماء الغربية والدلالة الدولية حسب الفيلم ونموذج أستاذ الجامعة "الكومبارس" الذي ظهر داخل المدرج في صورة أقرب إلي صورة ساقي في بار. أو بلطجي في ملهي ليلي. وبودي جارد لراقصة.. كل هذه صور دالة عن عقلية وطريقة تفكير ومستوي حضاري.
فالفيلم حتي وإن كان مجرد عمل ترفيهي ولكنه يعكس في ثناياه دلالات تكشف عن أمور ليست لها علاقة بالترفيه فقط. وإنما بجوهر صناعة شعبية مهمة والهدف من ورائها.
لا أقول جديداً عند الإشارة إلي المفارقات الهائلة بين مظهر البنات "المحافظ" اللائي يقبلن علي مشاهدة الفيلم وبين المحتوي الموضوعي للصور المرئية علي الشاشة. فلم تعد الهوة مدهشة رغم اتساعها المضطرد. تلك التي تفصل بين المجتمع "شديد التزمت" وبين التفاصيل الكثيرة التي تلمحها في الشوارع وتقرأها في صفحات الحوادث وتراها في صناعة الفيلم التي شهدت اعتزال كثيرات احترف البعض منهن مهنة ""الوعظ" أو صرن يبحثن عن "سينما نظيفة" لمواصلة الظهور دون خسارة للشهرة أو الفلوس.
ماذا يبقي من " عمر و سلمى "؟ !يبقي الكثير.. الحب الساحر السهل الذي يدغدغ الحواس. بين سلمي طالبة الجامعة "مي عز الدين" بنظارتها السوداء اللافتة التي تمثل إعلاناً صريحاً عن ماركة بعينها ثم لاحقاً عن محل لبيع النظارات. وبين عمر الشقي "تامر حسني" طالب الجامعة أيضاً "!!" الذي يطارد البنات ويندفع إلي المعارك من أجل انقاذ المحبوبة. ولا ضرر من أن يضاجع الحبيبة الغادرة في عملية تطييب الخواطر.. الإعلانات الصريحة.. لاتقتصر علي ماركة نظارات وانما تطول محلا للوجبات السريعة يظهر في أكثر من مشهد.
من البداية.. عمر أحب "فرح" التي أحبت د. هشام مخرج الفيديو كليب الطموح. الأناني. الذي لوح لها بالشهرة والفلوس فتركت الحب الأول إلي الصيد الثاني. فهذا علي أي حال مناسبة لأغنية تنطوي علي نصيحة هايفة يوجهها الحبيب المطعون في حبه "عمر" للحبيبة الغادرة التي هجرته! "قوليله ياخد باله منك. قد ما أنا كنت بخاف عليك. ويحاول قد ما يقدر يحميك ويحافظ عليك..!!". عمر يعوض الحب بالجنس. بالأغاني. باللهو والحياة السهلة بالسكر. بالفلوس. والسيارات. إلي أن يلتقي ذات صدفة بسلمي. التي ذاقت هي أيضاً طعم الخيانة. وعرفت فقدان الأب. وتجرعت مرارة انحرافات الأم. حتي هربت إلي الحياة مع جدتها العجوز التي تحتاج إلي رعايتها..
توليفة مفتعلة كاتب السيناريو أحمد عبدالفتاح اجتهد أن يحقق التوليفة المفتعلة لحلاوة الحب وطلاوة الحياة الرخوة. ببعض الدماء التي تمنح الشخصيتين الرئيسيتين أبعاداً اجتماعية ونفسية يحملها أسباب التعاسة. ولامانع من مغازلة التيار الديني كسبب سريع من أسبابها. فالابن السكير الضائع الغاطس في حمام السباحة يلوم والده انه لا يصلي ولا يزور أقاربه "صلة الرحم" مع أن الأب ظهر في ربع الفيلم الأول مع شقيقته "هالة صدقي" التي قدمت نمرة فكاهية لتعليقها علي الملابس الداخلية للفتاة التي كانت ترافق عمر في حجرة النوم. والغريب ان الممثلة المخضرمة لم تظهر بعد ذلك في الفيلم فقد كانت علي ما يبدو مجرد ضيفة شرف في مشهد يحتفي بغياب السلوك الشريف. وهناك علي أي حال مشاهد كثيرة تحتفي بهذا السلوك أيضاً وفي تلقائية فالأب رشدي لا يمنعه حائل أخلاقي من أن يطلب من "سلمي" التي اشتغلت عنده. أن تأتي إلي دعوة العشاء بفستان مثير بما يعني أن العمل في السياحة يستدعي هذا السلوك. وهو مفهوم يجعل لصناعة السياحة في مصر أعداء كثيرين من التيار المحافظ باعتبارها صناعة رذيلة أو تشجع عليها.
خيوط واهية الخيوط الجادة الموجهة. ومنها إشارة الأب إلي التمزق العربي والإرهاب. هذه الخيوط الواهية تاهت بالكامل وسط عناصر التوليفة التجارية التي حرص صناع الفيلم علي تكريسها لتحقيق أكبر أثر ممكن. ومنها عنصر الحركة "الأكشن" الذي كان بطلها الرئيسي عمر "تامر حسني" الذي اشتبك عضلياً في أكثر من مشهد للدفاع عن فرح وسلمي. الأولي ضد سيطرة واستبداد مخرج الفيديو الذي يتحكم في حياتها. والثانية ضد "خالد" الخطيب السابق الخائن الذي يطاردها أينما ذهبت.
وفي تناوله للمشاهد التي عبرت عن العلاقة العاطفية الساخنة بين الاثنين. بذل المخرج أكرم فريد جهداً واضحاً من أجل استدعاء طاقة الممثلين كاملة.. وضح ذلك أكثر في أداء مي عز الدين التي عبرت عن وجع الخيانة في مشهدين مهمين يحسبان لها. واجتهد تامر حسني في هذا الشريط التفصيل أن يحتل الشاشة ويظهر في كل المشاهد في حالة لائقة كشاب قوي بدنياً. وصاحب صوت عاطفي وموهبة موسيقية. وعاشق ولهان يترجم مشاعره في كلمات أغان ليست غنائية للأسف.. لانها جافة ومباشرة وتقريرية.
مشهد ظريف في مشهد الفرح قبل النهاية. تضافرت عناصر وتفاصيل مرئية لتقديم نموذج لحفل زفاف مرح يروج لطرب مناسب ويمكن تقليده لمن يأخذ من أفلام السينما مرجعاً. وكذلك يمكن تقليد فستان الزفاف الذي كتب عليه بحروف لامعة "أحبك" بالانجليزية! عنصر الملابس عموماً يلفت الانتباه: ملابس مي عز الدين. وتامر حسني الذي قدم طبعة جذابة من الشاب "الروش" العجيب علي سبيل المثال ساعة اليد. وال تي شيرت. والتسريحة والسيارة المكشوفة. والشقاوة "الخاصة" أثناء القيادة وبجواره سلمي. وأيضاً بدلة الزفاف.. التي ارتداها. فالفيلم مثل كل الأفلام أو معظمها يلجأ إلي غواية عين المتفرج. بالشكل الخارجي وليس الفني. بالتفاصيل المرتبطة به. فالفيلم نفسه يزف المطرب بعد محنة عاشها. إلي الجمهور بعد أن استعاد حريته. وليس إلي مي عز الدين ورغم التركيز المبالغ فيه علي شخصيات الفيلم الرئيسية وبصورة أخص علي تامر حسني استطاعت ممثلة مثل مروة عبدالمنعم أن تلفت النظر كممثلة خفيفة ذات حضور وموهبة تعتمد علي الأداء وإن كان السيناريو لم يخدمها.
أيضاً الديكور ومظاهر الثراء الكبير الذي أصبح سمة في معظم الأعمال السينمائية.. فقد عادت أفلام "التليفون الأبيض" كما كانوا يطلقون علي الأفلام الأنيقة القديمة عادت في صورة القصور الجديدة التي تضم حمامات سباحة ومساحات خضراء. وأثاثات مبهرة.. ولكن هذه الأناقة الشكلية يقابلها ما يمكن أن نسميه "عفوية الانحطاط" اللفظي والسلوكي. وأقول "عفوية" لأنه يظهر بشكل تلقائي وطبيعي باعتباره تحصيل حاصل وسمة عضوية في البناء الاجتماعي. فلا توجد مشاكل حقيقية مؤرقة ولا هموم حياتية فعلية.. وانما صناعة "لهو" مرئي تتفرع منها صناعات طرب. وصناعات أخري لعل أفضلها اكتشاف المواهب وتوظيفها لحساب هذه الصناعة.
فالفيلم "سندويتش" ترفيهي سريع من نوع الوجبات السريعة التي أعلن عنها وكرسها في مشهد النهاية عندما دخلت سلمي وهي حامل وبرفقتها عمر إلي المطعم "الروش" الذي يقدمها.
المصدر : جريدة المساء

No comments: