Wednesday, June 6, 2007


قص و لصق صور من الحياة و الأحلام
06/06/2007
لعبة الـ قص ولصق يعرفها الأطفال جيدا‏,‏ أنها مجموعة من الأوراق المتعددة الألوان‏,‏ يقوم كل طفل ـ حسب قدراته ـ بعمل شكل أو تكوين عن طريق لصق هذه الأوراق متجاورة أو متداخلة بعد قصها‏..‏ وتستهوي هذه اللعبة البنات أكثر من الأولاد‏!..‏ وقد اختارت المخرجة هالة خليل تقديم شريط سينمائي يقترب من الواقع بنفس أسلوب اللعبة‏,‏ وقدمت اشكالا من الشخصيات والمشاكل الاجتماعية وجعلتها تتقابل وتتداخل‏,‏ وتمتزج ألوانها ـ كما يحدث في الواقع ـ من أجل أن تستمر الحياة‏.‏بدأت أوراق فيلم قص ولزق تتناثر علي الشاشة‏,‏ وكل شخصية تحتفظ بألوانها‏,‏ وكأنها تواجه الحياة منفردة‏..‏ تبدأ الأحداث وتنتهي بشخصية جميلة‏(‏ حنان ترك ‏)‏ فهي أكثر الشخصيات حيوية وقدرة علي التأقلم مع حياة بائسة من أجل تحقيق حلم الهجرة إلي نيوزيلاندا عن طريق استكمال الشروط التي فرضتها السفارة حيث يكون لكل شرط عدد من النقاط‏,‏ ومن يريد الهجرة لابد ان يحقق‏23‏ نقطة‏,‏ ورحلة جميلة هي تجميع هذه النقاط‏..‏ وهي تعمل في مهنة مستحدثة علي المجتمع المصري‏(‏ الوسيط‏)‏ الذي يقوم بشراء أشياء يرغب البعض في التخلص منها ثم يبيعها لشخص آخر يحتاجها‏(‏ هذه المهنة كنا نعرفها في مصر قديما باسم روبابكيا ‏)..‏ وتلتقي جميلة بالصدفة مع يوسف‏(‏ شريف منير ‏),‏ وهو الآخر يعاني من البطالة ويعمل في تركيب الأطباق الهوائية‏(‏ الدش‏)‏ كعمل مؤقت‏..‏ وتقوم علاقة بينهما أساسها المصلحة‏,‏ حيث تكتشف جميلة انها قد بلغت الثلاثين وانها فقدت بعض نقاط الهجرة‏,‏ وان الزواج سوف يضيف لها نقاطا تمكنها من الهجرة‏,‏ وتتفق علي الزواج من يوسف‏..‏ وتمضي الأحداث‏.‏أوراق أخري في دراما القص وللصق تلعب بها المخرجة من خلال صديق يوسف‏(‏ فتحي عبدالوهاب‏ )‏ الذي يعاني البطالة وينغمس في الجنس والمخدرات‏..‏ وصديقة جميلة ‏(‏ مروة مهران ‏)‏ الباحثة عن الزواج حتي لا تصبح عانسا‏..‏
ومن خلال هذا الرباعي تطرح المخرجة قضايا صعوبة الزواج‏,‏ وانتشار البطالة‏ ,‏ والعجز عن التواصل الانساني الأسري في ظل ظروف اقتصادية صعبة‏(‏ علاقة يوسف وشقيقه وعلاقة جميلة وأمها ‏)..‏ وعلي طريقة القص واللصق وجدت المخرجة أن لديها ورقة أو لونا أو قضية يمكن أن تطرحها فقدمت شخصية المرأة التي تعول أولادها بعد أن يسافر زوجها إلي الخليج من أجل المال‏..‏وتقتلها معاناة المسئولية والوحدة ورغبتها كامرأة‏.‏اهتمت هالة خليل كثيرا بالتفاصيل الصغيرة‏,‏ ونجحت مع مدير التصوير طارق التلمساني في ان تقدم قاهرة اليوم الشوارع والمنازل والأحياء والميادين بحميمية ومهارة‏,‏ وكانت هذه أفضل مميزات الفيلم‏..‏ ولكن تشعر طوال أحداث الفيلم ان العمل ينقص روح التلقائية‏,‏ وان كل حدث مرسوم مع سبق الإصرار والترصد لطرح قضية أو مشكلة وهذا أفقد الشخصيات الحميمية تجاه المشاهد أو المتلقي لأن القص واللصق من أسس جمالياته انه ليس صورة مكتملة صنعتها ريشة أو قلم ومسطرة‏.‏فيلم قص ولصق اجتهاد آخر للمخرجة هالة خليل بعد فيلم أحلي الأوقات وهي فنانة مهمومة بقراءة المجتمع ويشغلها واقع المرأة كثيرا‏,‏ ولكنها تريد ان تقول أشياء كثيرة حتي لو كانت خطوط الدراما التي اخترتها لا تتسع لكل ما يشغلها أو تفكر فيه‏..‏ والعمل جدير بالمشاهدة فهو عمل جيد لعبه فيه مونتاج خالد مرعي دورا مهما في ضبط ايقاع الفيلم‏,‏ ومنحته موسيقي تامر كروان مساحة مهمة من الشجن‏,‏ وكان ديكور شيرين فرغل موفقا‏.‏لعبت حنان ترك أحد أفضل أدوارها وكانت نبض هذا الفيلم‏,‏ وجاء أداء شريف منير معبرا ومجسدا لحجم الحيرة التي يعيشها الشاب‏,‏ وكان فتحي عبدالوهاب متميزا في أداء شخصية غير مكتملة الملامح‏,‏ والفيلم يقدم الوجه الجديد مروة مهران التي لعبت دورا صعبا‏..‏ وكان أداء سوسن بدر و حنان مطاوع لافتا ويمثل اضافة للعمل‏.‏في مشهد النهاية يلعب الأبطال لعبة قص ولصق الغنائية حيث تأتي أشهر المقاطع الغنائية في أغانينا ليكمل كل منها الآخر‏,‏ فتأتي المحصلة حالة غنائية مفرحة‏,‏ انها حياتنا وحتي لو كانت قص ولصق‏,‏ وكل منا يحاول ـ بقدر الامكان والاحلام والظروف ـ ان يجعلها مفرحة ‏!‏
المصدر : جريدة الأهرام

No comments: