Wednesday, February 6, 2008


طبـــاخ الريـــس..
فانتازيــــا سياسيـــة تعاملت مع الواقع بحــــذر شديـــــد‏! ‏
جريدة الاهرام - كتب: نــــادر عـــــدلــي
6/2/2008
"طبـــاخ الريـــس" فيلم كوميدي سياسي يجنح أحيانــًا نحو الفانتازيــا،‏ ولكن سرعان ما يعود إلى الواقع ‏..‏ وقد حرص صناع الفيلم – طوال مدة عرضه – ألا تمس هيبة و وقار منصب الرئيس ‏..‏ و رغم أن كل الأحداث تشير إلى الزمن الحاضر إلا أن شخصية الرئيس نفسها تأتي وكأنها شخصية أي رئيس،‏ وليس رئيســًا محددًا‏!..‏ و فكرة الفيلم تقوم على شخصية طباخ كان يعمل كبائع أطعمة متجول،‏ وتشاء الظروف أو الدراما أن تجعله طباخــًا للرئيس،‏ و يصبح بالتالي هو صوت المواطن البسيط‏(‏ بكل ما يعانيه من مشاكل‏)‏ إلى الرئيس‏.‏ قليلة هي الأفلام التي أشارت للرئيس بشكل مباشر داخل الأحداث الدرامية،‏ وقد جاءت جميعها على سبيل الاستغاثة ليتدخل الرئيس لإنقاذ مواطن أو أكثر من حالة فساد تحاصره،‏ فقد استغاث نور الشريف – في مشهد النهاية – بالرئيس في فيلم "الحقونــــا" في قضية سرقة الأعضاء البشرية،‏ واستغاث عادل إمــام في فيلم "كراكون في الشارع" من أجل أن يقيم منزلاً في مواجهة مستثمري الأراضي،‏ وطلبت إلهام شاهين موعد مع الرئيس لكشف بعض المفاسد،‏ وانقلب حال مدينة صغيرة لمجرد أن أشاع محمود عبد العزيز عن زيارة السيد الرئيس،‏ وحمل هاني رمزي مئات الشكـــاوى عندما قام بدعوة الرئيس لزواجه في "جواز بقرار جمهوري‏" ..‏ بينما هنا في "طبـــاخ الريـــس" يصبح لسان حال المواطن البسيط هو الطباخ الذي يعمل في الرئاسة،‏ والجديد هذه المرة أن شخصية الرئيس تصبح هي المحرك الأساسي للدرامــا ‏..‏ وكل الأفلام السابقة أشارت لشخصية الرئيس حسني مبارك صراحــةً،‏ ولكن هنا جاءت الإشارة إلى رئيس مصــــر‏.‏ ومن المهم أن نشير إلى أن السينما لم تستطع الاقتــراب من شخصية الرئيس بشكل صريح إلا في عهد الرئيس حسني مبارك،‏ بينما تعاملت مع شخصيتي جمال عبد الناصر،‏ وأنور السادات بشكل رمزي و غير مباشر ودون ذكر اسمهما ‏..‏ وهو أمر من الضروري رصده لأنـــه يمثل شكــلاً ديمقراطيــًا لم يكن قائمــًا في ظل الرئيسين السابقين،‏ و حتى عندما تم تقديمهما في فيلمي "ناصــــر ‏56‏" و "أيــام الســـادات" بعد رحيلهما،‏ خرج الفيلمان بعيدين تمامــًا عن أي نقـــد أو انتقـــاد‏.‏ نعود إلي فيلم "طبـــاخ الريـــس" لنجد أنه عمل أشبه بشكاوى الفلاح الفرعوني الفصيح،‏ الذي يرفع شكواه لصاحب القرار بعد أن يخذله كل المسئولين ‏..‏ و الفيلم يستعرض كل المشاكل التي يعاني منها المواطن البسيط حيث أن بطل الفيلم طلعت زكريا رجل متزوج و لكنه لا يجد مسكنــًا،‏ فيعيش مع أقاربه ‏..‏ ويعمل كبائع متجول في عربة أطعمة،‏ و حتى يحتفظ بالمكان الذي اختاره عليـــه أن يوزع الرشــاوى كل صباح على العاملين في الحي،‏ و على العاملين في الكهرباء ‏(التي يسرقهـــا‏!)..‏ وبعد أن يصبح "طبـــاخ الريـــس" يكشف عن سوء حالة رغيف العيش،‏ وارتفاع الأسعار‏ ..‏ و عندما يقرر الرئيس أن يتعرف على الأحوال بنفسه بعـــد أن اكتشف أن من حوله يخفون الكثير،‏ ينجح هؤلاء المسئولون في إفســاد هذا الأمر،‏ فيصنعون أكذوبة كبـــرى بأن الوجود في الشوارع – في اليوم الذي قرر الرئيس أن ينزل فيه إلى الشارع – سوف يصيب المواطنين بالعمـــــى نتيجة أشعـــة شمسيـــة خطيـــرة‏!!‏ نجح الفيلم في نقل كل الشكــاوى التي يعاني منها المواطن إلى الرئيس،‏ و لكن بشكل حذر للغايـــة ‏..‏ و كلما جنحت الأحداث نحو الفانتازيـــا والانتقاد الساخر تراجع بها السيناريست يوسف معاطي و المخرج سعيد حامد إلى أرض الواقع مما أفقد الفيلم والفكرة بريقهــا ‏..‏ و يُعــد "طبـــاخ الريـــس" من الأفلام القليلة التي تظهر فيها المرأة المصرية بشكل إيجابي و معارض و قوي ‏(‏داليـــا مصطفى‏)،‏ و إن كانت الدرامـــا حجمت دورهـــا كثيــــرًا‏.‏ الفيلم بشكل عام مرح ومسل،‏ ولكنه ابتعد عن الكوميديا الصارخة والساخرة،‏ وظل طوال الوقت يتحسس ما الذي يمكن أن تسمح به الرقابة؟‏ ..‏ وما الذي يمكن أن ترفضـــه وتقطعـــه من الشريط؟ لا يمثل "طبـــاخ الريـــس" أي إضافة لمخرجه سعيد حامد سوي إقدامه على إخراج فكرة فيلم جريء ‏..‏ وظل يوسف معاطي طوال الأحداث حائــرًا بين قوة الفكرة،‏ والخوف من الرقيب ‏..‏ أما طلعت زكريا و هو ممثل يملك حضـــورًا خاصــًا وخفة ظل حقيقية التـــزم بمهنته كطبـــاخ الريـــس التي تجعله يختار كلماته وأسلـوب أدائه ‏..‏ أما خالد زكي ‏(‏الرئيس‏)‏ فقد حرص على أداء الشخصية التي هي تمثل منصب الرئيس ولم يتعامل معها كشخصية درامية،‏ وقد لعب الدور بشكل جيد جدا من خلال هذه الرؤية ‏..‏ وأثبتت داليـــا مصطفى أنها ممثلة لهـــا وجـــود و حضــور ‏..‏ أما إضاءة مصطفى عز الدين و مونتاج مها رشدي و ديكور كمال مجدي و موسيقى خالد حماد فكانت في خدمة تقديم دراما عادية تضحكنا بهدوء ودون صخب‏.‏ "طبـــاخ الريـــس" كوميديا تستحق أن تشاهدها ولن تندم ‏..‏ ولكن سوف تشعر طوال الوقت أن على أبو شادي أو رقيبنـــا الشهير أحد أبطال هذا الفيلم حتى لو لم يظهر فيه‏.‏

الأهـــرام الأربعــاء 6/2/2008

No comments: