حسن طيارة .. سلعة تجارية استهلاكية للترفيه
17/02/2008
المصدر: جريدة المساء - كتبت خيرية البشلاوى
المصدر: جريدة المساء - كتبت خيرية البشلاوى
المؤلف عالج قضايا المجتمع الجادة.. بسطحية وسذاجة فكرية ..الحبكة ضعيفة.. المشاهد غلب عليها الاستسهال ...خالد النبوي باهت شكلاً.. محدود أداء.. إمكانياته أقل ..."رزان" ممثلة متوسطة تثير فضول المتفرج
حكاية "حسن طيارة" مثل عشرات الحكايات المعروفة التي قدمتها الأفلام علي الشاشة منذ بداية اختراع الصور المتحركة : ست الحسن والشاطر حسن.
الشاب الفقير حسن "خالد النبوي" وبنت الباشا الوزير ست الحسن ملك "رزان" التي تحبه وتفضله علي الآخر الغني "خالد الصاوي" الذي يسعي الي التودد اليها املا في استغلال منصب وثروة الأب "عزت أبوعوف".
الشاطر حسن ولقبه "طيارة" سائق ميكروباص ينهب الطريق من والي مدينة 6 أكتوبر. وهو في نفس الوقت محام عاطل. لم يستطع بعد تخرجه الاشتغال بالمحاماة لاحتياجه ومسئولياته العائلية فهو مسئول عن أمه وشقيقه الصغير "تؤدي دور الأم عايدة عبدالعزيز" إنه ضمن مئات المحامين العاطلين المحرومين من ممارسة المهنة ومع ذلك فإنه يتردد علي مكتب صديقه المحامي المتواضع "عبده براءة" "عبدالله مشرف" يمنحه استشاراته القانونية التي تشهد علي تمكنه من مواد القانون وقدرته علي تكييفها لخدمة قضايا الناس. الحب من أول نظرة - كالعادة ايضا - يجمع بين حسن وملك علي الطريق الأسفلتي السريع. حسن في سيارته الأجرة و"ملك" في سيارتها الفارهة والي جوارها صديقتها اللعوب "داليا" "جيهان قمري".. الاثنتان تتعرضان لتحرش شابان يقطعان عليهما الطريق. فيتدخل حسن بشهامة لتخليصهما فتعجب علي الفور بوسامته وشهامته وتقرر ان تساعده دون علمه فتعيد اليه رخصة السيارة التي سحبت منه في مرات سابقة ولم يتمكن من استعادتها بسهولة. بسبب فوضي ادارة المرور!
أمجد بك "خالد الصاوي" رجل الاعمال الفاسد الذي يسعي للارتباط بها طمعا في مساعدة الوزير واستغلاله يعرف من صديقتها "داليا" أخبار علاقة "ملك" العاطفية وانجذابها الي سائق الميكروباص فيحاول التحرش به وأهانته ويقرر تخريب العلاقة بالعافية مستعينا بالصديقة التي تعمل في نفس الوقت مديرة مكتب الوزير وعشيقة "أمجد" تمده بالاسرار وتسهل عليه امكانية الحصول علي صفقات مقابل أن تحصل هي علي نصيبها من الكعكة.. قصة تكررت مراراً دون اضافة.
ارادة حديدية وحسن أو الشاطر حسن شاب مقاتل ايضا وسوبر مان قادر علي التصدي يعتز بكبريائه ويدافع عن كرامته مثل ابناء البلد. لا يخشي الوزير ولا يرهب رجل الاعمال. والوزير يستنكر بشدة العلاقة التي تصر عليها ابنته. ويحاصر حسن بوسائل شتي. لكن ابنته وهي الفتاة العصرية. المتحررة. التي تعمل مذيعة بالتليفزيون وتمتلك روحا شعبية وارادة حديدية تقرر الوقوف أمام محاولات الأب وتساعد حسن وتوفر له فرصة العمل كمحام في مكتب محام مشهور جداً "حسن كامي" ثم تقف الي جواره عندما ينجح الأب في قطع عيشه. وينجح الخطيب بدوره في التصدي له وحرق سيارته والاعتداء عليه.. وتساعده اكثر عندما يترك المحامي الكبير ويعمل لدي صديقه المحامي البسيط من اجل نصرة العمال الذين طردهم "أمجد بك" ظلما.. وبعد هذه الحكاية لابد ان ينتصر الحبيبان ليس فقط بالارادة وانما بالعضلات عندما يحسم الشاطر حسن صراعه مع أمجد بك رجل الاعمال الفاسد بالضربة القاضية في معركة بالسلاح وبالأيدي داخل مصنع الأسمنت!! معركة لا تنطلي علي عاقل!! ومثل بعض الأفلام التي التفتت مؤخرا لقيمة البعد السياسي والاجتماعي في قصة الفيلم. يتجه المؤلف الي تملق الناس بالدخول الي قضية "الخصخصة" فيحشر وسط قصة الحب قضية خصخصة شركات الأسمنت وبيعها الي أمثال أمجد بك "خالد الصاوي" رجل الاعمال الشرير المتآمر علي المال العام ومعه الوزير الغافل أو المتواطيء فالشخصية حسب الفيلم بدت باهته انصب الاهتمام في تكوينها علي الشكل الخارجي والعظمة المفتعلة والابهة التي تعكس مقدار الثروة التي يملكها ايضا استغلال الجنس وتكريس دور المرأة في مثل هذه الصفقات مثلت جيهان قمري دور داليا عشيقة رجل الاعمال التي تنتقم منه بعد ان يهجرها ويهينها بافشاء اسراره وتسليم مفتاح شقته الي المحامي الشاب الذي قرر ان يدافع عن المظلومين.
عفاريت الأسفلت "المؤلف" مصطفي السبكي يحشر هذه الأمور الجادة بسطحية وسذاجة فكرية متناهية وفي اطار حبكة رخوة وباستخدام مشاهد تذكر بأفلام مصرية سابقة اكثر قيمة "عفاريت الأسفلت. وضد الحكومة" وفي سياق حكاية بدأها باحصائية عن عدد المحامين المشتغلين وعدد العاطلين منهم وكأن الاحصائية وحدها تمنح للفيلم مصداقيته فالعمل تغلب عليه آفة الاستسهال وبصورة خاصة عند تصويره الصراع بين رجل الاعمال الشرير والمحامي الطيب والمعركة الاخيرة التي انتهت لصالح الثاني مع الاغنية التي تغني للعاشقين وللنهاية السعيدة التي تعلن بانتصار الحب فالبطل "السوبر" هنا لا يؤهله تكوينه البدني ولا مهاراته التي كشف عنها لأن ينتصر وحده علي دستة اشرار مدججين بالسلاح ولا وسامته كما ظهرت قادرة علي ان تذيب علي الفور الفوارق الاجتماعية الهائلة بين حسن وملك فالفيلم يحسم الصراع بالحب لصالح ابن الحارة الفقير الشاطر الذي يكرس مؤهلاته لنصرة العمال المظلومين وللتصدي لرجل الاعمال بعلاقاته وامكانياته يحسمه علي المستوي الاقتصادي. وعلي المستوي الطبقي وعلي المستوي الاعلامي حيث يستطيع بمعاونة المذيعة المؤمنة به وبرسالته الي انتزاع حقوق العمال وتخليص المصنع من مالكه الي الابد في معركة سهلة جدا تنهي صراع المشاكل الاجتماعية.. والخ..
فالمؤلف ليس مشغولا بالهم الاجتماعي ولا بالشأن العام وانما بالحواديت ولكن اصبحت هذه الأمور الجادة مهمة لتحميل الفيلم قدرا من الجدية ولو بالادعاء وهي سمة ايجابية علي أي حال لأن مجرد الاعتراف بأهمية دور الفيلم في اثارة الوعي بقضايا المجتمع وبضرورة اتحاد العمال للدفاع عن حقوقهم كما اشار الفيلم عبر عنصر الحوار.
لكن الانطباع العام الذي يتولد مع نهاية "حسن طيارة" يجعله مجرد فيلم آخر يضاف الي السلع التجارية الاستهلاكية في مجال الترفيه الجماهيري.
لكنة غريبة لقد راهن المخرج سامح عبدالعزيز علي الاستعانة بمذيعة شاطرة مهنيا مثل رزان مع انها ممثلة متوسطة الحال لكنها تصلح وحدها كعنصر يجذب الاهتمام شكليا ويثير فضول المتفرج بطريقتها في الحوار ولكنتها الغريبة. وتصميمات ملابسها والوانها ومكياجها فهي "نجمة" تصلح في الدعاية لعروض الأزياء وموديل نموذجي للمذيعة العصرية في عصر الهيمنة الاعلامية بالابصار والغرابة والتغريب باستخدام الصورة وتكريس عناصرها المستوردة. وقد بدا الثنائي العاطفي حسن - وملك غير متكافيء فاقد القدرة علي اثارة الانفعال أو التجاوب. لا يوجد معادل موضوعي بين روميو "خالد النبوي" الباهت شكلا. المحدود أداء والذي أضفي عليه الفيلم صفات اكبر من امكانياته فهو في هذا السياق لا يشكل فتي الأحلام الساحق الذي يخطف القلب من أول نظرة ولا هو البطل مفتول العضلات قوي الحضور القادر علي سحق الفتوات المسلحين!!
مشهد لافت كثير من المشاهد تكررت وتكرر عشرات المرات في أفلام سابقة مصرية حتي أصبحت مثل الطبيخ البايت علي سبيل المثال فقط: مشهد حفلة الوزير داخل قصره والتحرش بالشاب البسيط وإهانته. مشهد السكرتيرة أو مديرة المكتب التي تصطاد زبائن الوزير وتحقق صفقات لحسابها مستعينة بجسدها الدور مناسب جداً لجيهان قمري ولعبته بالصورة النمطية الاغاني في الفيلم تحصيل حاصل اصبحت اضافة سمعية مثل وسائل الايضاح في فصول المدارس البدائية.
المشهد اللافت في هذا العمل ذلك الذي يجمع بين عايدة عبدالعزيز وخالد النبوي.. الأم وابنها الكبير في حضور ابنها الاصغر بينما تعنفه بطريقة مدهشة كأم علي شكواه من المسئولية وعلي اضطراره العمل كسائق مكيروباص. فالممثلة هنا راسخة منحت الدور والحوار بعدا اجتماعيا وانسانيا مقنعا مشحونا بالمشاعر العميقة التي يختلط فيها الاحباط مع الحزن والغضب ورفض الاحساس بالعجز في مواجهة الظروف. ** حسن طيارة في نهاية المطاف عمل سينمائي "حميد" لا يستفزك ولا يخدش حياءك ولا يثير مشاعر الندم علي ما دفعته في ثمن التذكرة أو الوقت..!
المصدر : جريدة المساء - خيرية البشلاوي
No comments:
Post a Comment