Friday, February 1, 2008


"طباخ الريس": كاريكاتير سينمائي لصورة الرئيس العربي

February 2007
source : alarabiya.net


دبي – حكم البابا
يخصص تقرير العربية نت السينمائي مادته الرئيسية هذا الأسبوع للفيلم المصري "طباخ الريّس" من تأليف يوسف معاطي وإخراج سعيد حامد وبطولة طلعت زكريا وخالد زكي، وهو كوميديا سياسية لطيفة تستحق المشاهدة عن علاقة الحاكم العربي بشعبه، لا يخلو من تفاصيل مدهشة ومبتكرة رغم بنيته التقليدية، فضلاً عن اختراقه لأكثر محرمات الرقابة الرسمية العربية صرامة والتي تمنع تجسيد شخصية الرئيس في السينما خارج إطار السيرة الذاتية المدائحية والتمجيدية.

طباخ الريّس: عندما تتحول شاشة السينما إلى مرآة
بعد زمن طويل على عدة محاولات احتيال قامت بها السينما العربية لتقديم صورة الرئيس العربي كشخصية درامية تتحرك ضمن حدث واقعي راهن، بدأت مع النجم السوري دريد لحام في فيلم "التقرير" عبر اختصاره بكرسي يتوجه إليه بطل الفيلم في بداية ثمانينيات القرن الماضي، ثم تطورت إلى صورة فوتوغرافية للرئيس المصري يخاطبها نور الشريف في فيلم "الحقونا" في نهاية الثمانينيات، وانتقلت في بداية التسعينيات إلى ممثل حي يصوّر من الخلف وهو يستقبل إلهام شاهين في فيلم "موعد مع الرئيس"، إلى أن استخدم الغرافيك لتوليف مشهد للرئيس المصري وهو يتلقى شكاوى المواطنين من هاني رمزي وحنان ترك في فيلم "زواج بقرار جمهوري" في بداية الألفية الثالثة.. بعد زمن طويل جاوز الربع قرن على هذه المحاولات لإظهار شخصية رئيس عربي في السينما يسجل فيلم "طباخ الريّس" ليوسف معاطي مؤلفاً وسعيد حامد مخرجاً ما يمكن اعتباره سابقةً رقابية في السينما العربية من خلال تجسيد خالد زكي لدور رئيس جمهورية مصر (وبصورة مختلفة عن التمجيد البطولي لسيرة جمال عبد الناصر وأنور السادات في فيلمي "ناصر 56" و"أيام السادات") الذي يتقاسم بطولة الفيلم مع طلعت زكريا في دور الطباخ.وعلى الرغم من أن الصورة العامة لشخصية الرئيس في "طباخ الريّس" لا تختلف في شكلها الخارجي (من ناحية إضفاء صفات القداسة والنزاهة والإحساس بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه وحمل هموم الشعب على كتفيه) عن صورة الرئيس الاستثنائي الذي ظهر في فيلمي "ناصر 56" و"أيام السادات"، إلاّ أنها تبدو في "طباخ الريّس" كاريكاتورية في حدها الأقصى ومثيرة للضحك والبكاء في آن معاً، لأنها بقصد أو من دون قصد ظهرت أكثر الشخصيات جهلاً بالبلد (وفي البلد) الذي تدور فيه أحداث الفيلم، بحيث لو قدّر لأي مواطن يحمل جنسية بلد يُساءل فيه الرئيس في أبسط قضية أن يشاهد فيلم "طباخ الريّس" لكان سؤاله الأول هو: كيف تقبلون برئيس لا يعرف مشكلات بلده، وتستطيع حاشيته إيهامه بأن أمور بلده في أفضل أحوالها، وإقناعه بأن ما تكتبه صحافة المعارضة ليس أكثر من افتراء ينطلق من دوافع عدائية وارتباطات مشبوهة؟ولعل هذه الفكرة (التي تظهر في خلفية فكرة الفيلم الظاهرة التي تقدم شخصية رئيس تعزله حاشيته عن شعبه إلى أن يلتقي مصادفة بطباخ ينقل هموم الناس إليه) هي أهم فكرة في الفيلم الذي تدور أحداثه في إطار مألوف ومتوقع وغير مفاجئ عن علاقة الحاكم برعيته، ومحاولة حاشية السوء التي تحيط به عزله عن هموم شعبه، نجح المؤلف يوسف معاطي في إغنائها بتفاصيل مبتكرة مثل إشاعة فكرة كسوف الشمس الذي قد يتسبب بعمى الناس فيما لو نزلت إلى الشوارع في اليوم الذي يقرر فيه الرئيس السير وحيداً في شوارع القاهرة لرؤية شعبه، أو فكرة استئجار ممثلين للقيام بدور مواطنين يلتقيهم الرئيس في الأمكنة التي يقرر زيارتها، ثم اكتشافه لحقيقة هؤلاء بالصدفة عند رؤيته لمسلسل تلفزيوني، وغيرها من الأفكار البرّاقة والمشاهد المبتكرة التي تظهر ضمن السياق التقليدي لحدوتة الفيلم. ورغم الملاحظات العديدة التي يمكن التوقف عندها أثناء مشاهدة الفيلم ابتداءً من السيناريو الذي يصور الرئيس أعزب وحيداً بدون أسرة متجاوزاً الشرط الواقعي للفيلم كرمز لعزلته، والتفاصيل المملة لعلاقات الطباخ الأسرية، والتي استهلكت بمجانية جزءاً ليس قليلاً من زمن الفيلم وكان يمكن الاستغناء عنها لصالح إغناء الكوميديا السياسية بتفاصيل أهم عن علاقة الطباخ بالرئيس، مروراً بإمكانيات طلعت زكريا كممثل في شخصية الطباخ، والذي بسبب حالة الضبط والرقابة الواضحتين على أدائه كي لا يأخذ الشخصية باتجاه أسلوبه التهريجي المعتاد، لم يرق حتى إلى مستوى خفة الدم هذا إذا لم نتحدث الأداء الكوميدي، والجدية الزائدة عن الحد المطلوب في أداء خالد زكي لشخصية الرئيس بشكل حولها إلى شخصية متخشبة، ونقص الاهتمام برسم ملامح الشخصيات المساعدة، رغم كل هذه الملاحظات إلاّ أن فيلم "طباخ الريّس" يمنح مشاهده ابتسامة صارت نادرة في السينما المصرية، ومتعة فيها الكثير من تعذيب الذات كون المشاهد يضحك على آلامه أمام شاشة تتحول إلى مرآة تصوّر واقعه، وإن ببعض الرتوش وكثير من المكياج
.

No comments: