Wednesday, May 7, 2008


احنا اتقابلنا قبل كده فيلم تحس أنك رأيته قبل كده
07/05/2008
المصدر: القاهرة

الفيلم شبيه بأفلام أخري حيث عدد من البطلات تمر كلا منهن بأزمة عاطفية مع حبيبها ثم يجتمع شملهن في حفل زفاف أحداهن وقد حلت مشاكلهن للوهله الأول تحس أنك أمام فيلم أوروبي مدبلج للعربية ليس بسبب العلاقات المفتوحة للشخصيات ولكن للأجواء الفخمة التي تدور فيها الأحداث الفيلم ينتمي للإبداع النسوي السينمائي الذي ظهر في أوروبا ولم نعرفه في مصر ألا في أعمال قليلة مثل «أحلي الأوقات».. في «شقة مصر الجديدة».. «البنات دول»من أهم تجارب السنيما النسيائية العالمية فيلم «امرأة غير متزوجة» طازورسكي و«زوجه جان» ليانيك بليلون وأغلب أفلام مارجريت فون تروت محمود قاسمترك كتاب «الجنس الثاني «لسيمون دي بوفوار أثره بشكل واضح علي الثقافة والحياة في الولايات المتحدة أولاً، ثم في أوروبا، وصنع في عالم الإبداع ظاهرة تستحق الوقوف عندها، فتأسست مؤسسات للنشر والإعلام في بلدان عديدة مخصصة لإبداع النساء، فيما سمي بالحركة النسوية، وقد ازدهرت هذه الحركة بقوة في العقدين الثامن والتاسع، ثم بدأت تتقلص بشكل واضح، بعد أن تخففت الحياة من أسبابها.وعندما انتقلت هذه الظاهرة إلي مصر، دار نقاش حاد بين التقليديين، وبين العارفين بكل ما هو جديد، في شأن وجود الأدب النسوي من عدمه، ومع مرور الوقت أثبتت التجربة عن صعود هذا التيار النسائي في الإبداع خصوصا الرواية، والشعر، وللأسف فإن الأمر لم ينتقل إلي الكتابات النقدية السينمائية لأن غالبية النقاد في مصر ليست لديهم نظريات محددة، أو رؤي فيما يخص هذه الأمور، وبالتالي لم يدر مثل هذا الجدل حتي الآن.وقد انتقل الإبداع النسوي بشكل قوي إلي بعض الأفلام، خصوصا مع تصاعد وجود مبدعات لهن موقف محدد، خاصة من الكاتبات، وبعض المخرجات، وعلي رغم دخول عدد كبير من النساء إلي الإبداع، فإن سمة النسوية لم تظهر بشكل جلي سوي عند عدد قليل منهن، وإذا كانت غالبية المخرجات النسويات في أوروبا هن أيضاً كاتبات الأفلام، فإن الأمر يختلف في مصر بشكل قوي، وبالتالي فلا يمكن اعتبار أن أفلام أسماء البكري، والكثير من أفلام إيناس الدغيدي ضمن هذا التصنيف، لكن يمكن الوقوف عند أفلام نادية حمزة، أيا كان مستواها الفني، ثم عند أفلام حديثة ألفتها كاتبات ذوات رؤية لجنسهن، ومنهن وسام سليمان في أفلام مثل «أحلي الأوقات»، و«في شقة مصر الجديدة»، ثم علا في «البنات دول، وأخيراً نادين شمس في «احنا اتقابلنا قبل كده.الرجل الهامشورغم أن المخرج في بعض هذه الأفلام، هو رجل، لكن النص السينمائي الذي نفذه مكتوب بقلم امرأة وبالتالي تظهر الملامح العامة للنسوية في هذه الإبداعات، وتتسم غالبيتها في أن الشخصية الرئيسية هي امرأة، وأن الرجل يبدو في غالبية الأحيان هي مشياً، أو في مكانة ثانية، وأن المرأة يمكنها الاستغناء عن الرجل والحياة من دونه.ولعل من أهم التجارب التي عرفناها في هذا المجال أفلام مثل «امرأة غير متزوجة «للأمريكي مازورسكي، ومن قبله «زوجة جان «ليانيك بيللون، غالبية أفلام مرجريت فون تروتا.الفيلم الذي أخرجه هشام الشافعي، يخص في رأيّ كاتبته نادين شمس، من خلال الجو العام الذي يمثله الفيلم، فالشخصيات الرئيسية هنا هي من النساء. والمرأة هذه تنتمي إلي ثقافة راقية، وصاحبة موقف من الحياة، وليست مشكلتها الرئيسية مع رغيف العيش وقوت اليوم، قدر البحث عن هويتها، أما الرجل فيبدو هامشياً، وفي غالبية الأحيان يكون وغداً، ولا يستحق أن يعاش معه.. وفي فيلم «احنا اتقابلنا «سوف تحس للوهلة الأولي أن هذا النموذج من النساء، موجود فقط عند سطح المجتمع، وسوف يهيأ لك وأنت تتابع الحوار أنك أمام فيلم أوروبي مدبلج إلي اللغة العربية، ليس فقط في العلاقات المفتوحة بين الشخصيات، وإن كنا نؤكد أنها موجودة بالفعل في هذه الطبقات الاجتماعية، لكن أيضاً في شكل الحياة، فالأحداث تدور بين المحال الفخمة، والأحياء الراقية القديمة، وهن النساء اللاتي يحظين بشرف التواجد بقوة في قصص الأفلام المصرية مع بداية القرن الجديد في أفلام عديدة من أبرزها «سهر الليالي»، و لحظات أنوثة»، و«حب البنات»، و«في العشق والهوي».. وغيرها.استنساخ سينمائيفسارة التي تأهبت للدخول إلي زوجها بكل حب، تفاجأ به في أحضان امرأة أخري، فتترك له البيت، وتبدو جميع الأمور ميسورة أمامها، سرعان ما تعثر علي سكن بديل، وتصبح قضيتها الأساسية هي أن تعيش بعيداً عن الرجل الذي تزوجته، وأن تثبت لنفسها أنها قادرة علي ذلك، وأنها لن تعود أبداً إليه، مهما حاول الاعتذار، ومهما استخدم من أساليب، وأنها سوف تقطع الحبل الصري تماماً بينها وبينه، ثم سوف تعيش من دون ارتباط رسمي برجل، بعد أن تصرفت بعدم توازن ملحوظ في علاقة عابرة، وبعد أن ارتبطت بعلاقة غير واضحة المعالم برجل عجوز يدعي عبداللطيف، هي أقرب إلي علاقة أبوه، وقد تأخذ شكلاً مختلفاً فيما بعد..وبعيداً عن التقويم الفني للفيلم، أو مقارنته بأفلام أخري، فإن المصادفة جعلت هناك تشابهاً واضحاً بين هذا الفيلم، وفيلم آخر يراه الناس الآن، هو «لحظات أنوثة»، ولو قمنا بالمقارنة بين مشهدي النهاية في الفيلمين فسوف نري تطابقاً واضحاً.. بنات أو نساء ورجال، مرت كل واحدة منهن بأزمة عاطفية مع حبيبها ثم التأم شمل الجميع في حفل زفاف إحداهن، الجميع حل مشاكله، إلا واحدة كانت متزوجة وانفصلت عن رجلها، وصار عليها أن تقطع الحبل الصري للأبد مع هذا الرجل.الحكاية أن هناك حالات من النساء، تمر بمرحلة المخاض العاطفي، بصرف النظر عن التفاصيل، فسارة التي تخلع زوجها عاطفياً، تذهب للإقامة عند صديقتها القديمة داليا، وهذه الأخيرة تعيش مع أكرم من دون زواج، هي مجرد علاقة تحتاج كل منهما إلي الآخر، هي أشبه بعلاقة الشاب بفتاة عاش معها في فيلم «في شقة مصر الجديدة»، وأيضاً هناك علاقة مشابهة في «لحظات أنوثة»، تكاد هذه العلاقة أن تنشرخ، وفجأة، وعندما تهم داليا بمغادرة المطار للحياة في الخارج، يظهر أكرم الذي يعلن في سذاجة واضحة، إنه يحبها، وأنه عائد إليها، فيتم حل كل المشاكل بشكل متواز في الوقت نفسه.نماذج أوروبيةالنسوية هنا ليست كاملة، أو ليست مثالية، مثل النماذج الأوروبية، وإن كانت سوف تنطبق علي سارة، وهي فتاة أقرب إلي الأوروبيات، بلا أهل أو أسرة، تعيش عند صاحبتها، ومعهما أكرم في بعض الأوقات، لم تنجب من زواجها ـ ليس هناك أطفال بالمرة في هذه الأفلام ـ وهي ترفض العودة إلي عمر رغم جميع محاولاته للعودة إليها..حاولت سارة أن تخون زوجها، ووجدت نفسها مدفوعة إلي فراش هشام، عازف الساكسفون، لكنها، علي طريقة المرأة الشرقية انسحبت في اللحظة الأخيرة، ثم باركت عودة هشام إلي حبيبته، وزميلته في الفرقة.رجلان من الرجال الأربعة في الفيلم أظهرهما الفيلم بشكل الوغد، وأيضاً بصورة هامشية، الأول عمر الذي خان زوجته، وأحس بالندم، هو الحاضر الغائب بالنسبة لزوجته سارة، عاد إليها أكثر من مرة، حاملاً الورد والاعتذار، وعادت إليه لتعطيه دبلة الزواج، عندما انتهت إلي قرار، أما الرجل الثاني، هشام فهو أداة عاطفية، سواء بالنسبة لسارة، أو لحبيبته أمل، وقد أظهره الفيلم بمثابة الذكر الفحل، الذي يسعي إلي لمس النساء، والركوب علي أجسادهن، كما رأيناه عاري الجذع، أو النصف الأعلي، دوماً، لذا فإن سارة تحاول الارتكان إليه باعتباره أداة، والغريب أن حبيبته تسامحه، فهو يذهب إلي علاقات عابرة، كي تظل هي بؤرته.أما الرجلان الآخران، فأحدهما أكرم الحاضر الغائب أيضاً، هو علي سفر دائم، يحاول التقرب من حبيبته بأن يجعل العلاقة شرعية إلا أنها ترفض، وعندما يتركها إلي امرأة أخري، تحس بقيمته، فتقرر أن تترك بلادها لتعيش في قارة أخري.. أما عبداللطيف، صاحب محل الأزياء، ومصمم للأزياء أيضاً، فهو حكيم الفيلم، الذي تلجأ إليه سارة، يحدثها عن زوجته الإيطالية التي لم ينفصل عنها طوال ثلاثين عاماً حتي وفاته، ويسمع منها حكايات الحب الضائع، ويساندها، ينطق عبداللطيف هذا بعبارات أنيقة مثل مهنته، تعبر عن تجربته الحياتية، وهذه الجمل الحوارية هي الأفضل علي الإطلاق من بين العبارات التي ترددت علي ألسنة أبطال السينما المصرية في الفترة الأخيرة «كل ما تحسي إنك مخنوقة كلي»، وعندما ماتت زوجتي، أحسست أنني ميت، لم أخرج من المنزل إلا قليلاً، إلي أن أتيت علي كل الحزن من أجلها»..وهذه الشخصية هي العنصر الذكوري الوحيد بالنسبة للفيلم، هو حاضر دوماً، يحب الحياة، مهذب، ليست لديه أسرة، ابنه هشام يعيش مغترباً، هو في حاجة إلي أنثي، أياً كان شكلها، ومثلما هو يصمم الأزياء الجميلة، راح يصمم شكل علاقته بسارة، يقص أطراف الأحزان، ويختار وقت الاتصال بها، ويحدثها عن أحلامه، وذكرياته، ويدعوها لتناول العشاء في محال فخمة، وهو يؤكد أن أبطال الفيلم أوروبيو التفكير علي الأقل، فقد عاش في فينسيا مع زوجته الراحلة سيسليا «من بعدها ما عملتش ولا فستان»، وهو الذي يردد «كل الستات حلوين، واللبس بيخليهم حلوين قوي»، ومثلما اشتري عبداللطيف قطعة قماش ثمينة، من اختياره، وقام بتطريزها من أجل سارة، فإنه بدا كأنه اشتري علاقته بها، لدرجة أننا نراه واحداً من مجموعة الحاضرين لحفل زفاف كل من داليا وأكرم.نادين شمس القادمة من الصحافة والسينما التسجيلية، وجمال الصورة كما صورها طارق التلمساني، والتجربة الأولي لهشام الشافعي، وسط هذا الزخم من أفلام غريبة تزحف إلينا، كل هذا يستحق التحية.
المصدر : القاهرة

No comments: