Wednesday, August 6, 2008

لأول مرة في تاريخ السينما المصرية أحمد حلمي يمنح 'الفيلم النفسي' جماهيرية
6/8/2008
بقلم : أحمد صالح

كتبت فيما قبل تعليقا علي احد افلامه الاخيره.. ان احمد حلمي قد استفاد الي اقصي حد من آراء النقاد في اعماله.. وانه فكر جيدا بعد عرض افلامه التافهة والركيكة مثل 'ميدو مشاكل' و'صايع بحر' حتي نجح في تغيير مساره.. وقدم افكارا جديدة حققت له نجاحا وراء نجاح في افلام 'مطب صناعي' و'جعلتني مجرما' و'ظرف طارق' ثم'كده رضا' وها هو قد نجح اخيرا في ان يقدم فيلما نفسيا مدهشا ورائعا وهو مالم يحدث في تاريخ السينما المصرية.. وهو 'آسف علي الازعاج'!.لابد ان نعترف اولا ان الافلام النفسية اكدت فشلها مع الجمهور المصري حتي وان اشترك في تقديمها كبار النجوم والسينمائيين!.. ولعل نموذج ذلك فيلم مثل 'بئر الحرمان' للكاتب اللامع احسان عبدالقدوس والنجمة المدهشة سعاد حسني والمخرج الكبير كمال الشيخ والذي يناقش موضوعا مثيرا تؤدي فيه النجمة دور فتاه عادية بالنهار وامرأة ليل ترتدي فستانا مثيرا وتصبغ وجهها بالالوان وتتصيد الرجال من الشوارع بالليل! هذا الفيلم الذي اشترك فيه كل هؤلاء العمالقة.. حقق فشلا ذريعا في شباك التذاكر لان الجماهير لم تصدق هذه الحالة المرضية!.. وغير هذا الفيلم النفسي الكثير مما فشل في سوق السينما.. الا ان النجم احمد حلمي استطاع ان يجعل لهذه النوعية من الافلام المهمة والجادة سوقا جماهيرية ضخمة.. فدور العرض تعلق هذه الايام لافتة 'كامل العدد' بعد ان تضع مقاعد اضافية كثيرة في كل الصالات التي تعرض الفيلم النفسي 'آسف علي الازعاج'!.
قد يأخذ البعض علي الفيلم ان نصفه الاول بطيء.. وانك تظل تتابع مشاهد واحداثا عادية وان كانت غير مملة. ان يؤدي احمد حلمي دور شاب 'حسن' خفيف الظل يعمل في مجال ميكانيكا الطيران بينما يلعب محمود حميده دور والده.. وهوو ليس مجرد اب عادي ولكنه صديق يأنس ابنه إليه ويحاوره ويجد لديه حلا لكل مشاكله بينما الاب يحيطه باهتمامه تعويضا عن سفره الدائم حيث يعمل طيارا.. والام دلال عبدالعزيز تخاف علي ابنها الوحيد وتعامله كطفل وبأسلوب يستفزه فيصيح فيها لماذا تشعره دائما انه طفل او مريض!..بينما تبدأ بينه وبين فتاه جميلة 'منة شلبي' قصة حب طريفة بعد ان يلتقي بها في 'كافيه'.يعاني حسن من عقدة الاضطهاد ويساعده علي هذا الاحساس ان رئيسه في العمل يصدر قرارا بوقفه لانه يمتنع عن الحصول علي 'اجازة' ويؤكد هذه العقده لديه انه توصل الي اختراع يحقق استخدام الطاقة في مجال ميكانيكا الطائرات لكن احدا لا يأخذ اختراعه هذا بجدية مما يجعله يشكو احساسه لرئيس الجمهورية في سلسلة من الرسائل يرسلها إليه!!.تستمر هذه الاحداث التي تبدو بطيئة والتي تشغل نصف الفيلم الي ان يأتي مشهد حواره مع امه التي تصرخ فيه: مش ابوك اللي عمل كده لان ابوك مات من زمان!.. هنا فقط يكتشف حسن.. وتكتشف الجماهير.. ان هذا الاب الذي يلعب دوره محمود حميده طوال النصف الاول من الفيلم قد مات من زمن.. وان ما يراه الابن هو نوع من التصور او التخيل.. وهذه هي الحالة النفسية التي يعيشها الشاب والتي خلقتها صدمة وفاة والده وصديقه الوحيد!!انها حالة مرضية نعم.. ولكنها قريبة لما يحدث لنا جميعا.. فمن منا لا يشعر بأن عزيزا عليه.. ربما امه او والده او أخوه او صديقه الذي توفي.. لا يأتي اليه ويحوم حوله او يتواجد بجانبه او يحادثه.. كلنا نشعر بهذا التهيؤ وان كان لا يصل الي حد 'الحالة المرضية'.هكذا يبدأ تسلسل الاحداث بشكل جديد.. وتجد نفسك تكتشف ان الاحداث التي ملأت النصف الاول من الفيلم والتي تعاملت معها علي أنها عادية.. كانت مهمة للغاية.. ونكتشف مثلا لماذا لم تعطه الفتاة رقم تليفونها 'الموبايل' وتجيب: لان الفتاة كانت موجودة فعلا عندما لقيته أول مرة.. لكن الاحداث بينهما بعد ذلك كانت جزءا من تصوره او خياله وبالتالي يمكن ان يكون الموبايل نفسه غير موجود.. وان الفتاة ايضا لم تأخذ الورد الذي نصحه والده ان يقدمه اليها.. لان الحدث نفسه لم يحدث وانما هو من خياله الكامل.. كما تكتشف ايضا ان الام التي تعامل ابنها بجفاء وضيق تعاني من الوحدة بعد رحيل الاب ومن الالم لمرض الابن ولانه يرفض بشدة ان يدخل المصحة.هكذا يبدأ الفيلم من جديد مع هذا الحدث الذي يصنع 'TWIST' او يخلق اتجاها جديدا لمساره!.. ولن استمر في السرد فإن النصف الثاني يحتاج ان تراه بنفسك وبالتأكيد سوف تستمتع به!.
احمد حلمي ممثل موهوب.. ذكي فطري الاداء.. يتطور بسرعة.. يمثل ببساطة شديدة وبأسلوب السهل الممتنع.. وذكاؤه هو الذي قاده الي الطريق السليم حتي اصبح النجم القادر علي اداء كل الشخصيات!.. محمود حميدة تمنحه كل تجربة جديدة قيمة جديدة.. يكسب مع تقدم السن سهولة اكثر في الاداء وثقة اكبر في تقمص الشخصية.. علينا من الان ان نصفه بالاستاذ محمود حميدة.. اما منة شلبي فإن الدور لم يمنحها الفرصة التي تتناسب مع مواهبها.. ويبدو ان دلال عبدالعزيز قد ادركت ان ابنتها دنيا قد اصبحت 'فيديت' فاستسلمت لادوار الامهات وقد نجحت فيها.يستحق التهنئة بلا شك كل من كاتب السيناريو أيمن بهجت قمر والمخرج خالد مرعي.. ان كلا منهما يقدم هنا ثاني افلامه ويحقق به نجاحه الواضح رغم ان فيلمه الاول 'باحبك وانا كمان' بالنسبة لايمن.. و'تيمور وشفيقة' بالنسبة لخالد لم يكن يبشر بهذا النجاح!.. ان قدرة كاتب السيناريو تبدو في المشاهد التي نسجها في النصف الاول من الفيلم بدقة وذكاء بحيث يمكن الاستفادة منها في النصف الثاني إذ تحقق تصاعدا اكبر للحدث.. بينما قدرة المخرج تبدو في الاهتمام بكل الشخصيات وكل التفاصيل ومن المؤكد ان عمله السابق في المونتاج ساعده علي تأكيد تسلسل الاحداث وتصاعدها ووضع المفاجأة في مكانها المناسب! 'انه شيء أشبه بصناعة 'الفسيفساء' ومن المؤكد ان موسيقي عمرو اسماعيل وكاميرا احمد يوسف قد ساعداه في ذلك!.كلاكيت آخر مرةعزيزي أحمد حلمي مشكلتك الان.. فيلمك القادم.. فالمهم ان يستمر الصعود!.

No comments: