Wednesday, August 6, 2008

حسن ومرقص.. إجابات جديدة لأسئلة قديمة
المصدر: جريدة البديل

06/08/2008
قراءة مغايرة لفيلم يثير الكثير من الجدل
د. خالد البغدادي
(يبدو أن مصيرنا واحد).. هذا ما قاله الشيخ حسن العطار - المسيحي المتنكر في صورة مسلم- لمرقص عبدالشهيد -المسلم المتنكر في صورة مسيحي- وهذه العبارة هي مفتاح الولوج الحقيقي إلي محتوي هذا الفيلم.. وتلمس رسالته.. والوقوف علي ما أحاطه من ملابسات، حيث يؤكد الفيلم علي القدر الواحد.. والمصير المشترك، فكلنا في الهم شرق.. فالقبح والتطرف والبطالة -بل حتي مشاكل الثانوية العامة -تخنق الجميع، فتحت الجلد نتشابه جميعا في الآمال.. والآلام.. والأحلام..!!وقد أعاد هذا الفيلم الشخصية المسيحية إلي السينما المصرية بعد أن كانت توارت علي مدي عقود طويلة ولأسباب كثيرة، منذ فترة الثلاثينيات والأربعينيات لم تظهر هذه الشخصية بشكل واضح ومباشر إلا في أعمال فنية قليلة.. نذكر منها فيلم "بحب السيما" و"كلام في الممنوع".. و"الإرهابي"، إلا أن التناول والمعالجة الفنية في حسن ومرقص تبدو مختلفة ومتداخلة.. وربما هذا هو ما احتاج زيارة خاصة للبابا قام بها الفنان عادل إمام للحصول علي مباركته للفيلمأين ذهب كوهينيحسب للفنان عادل إمام ? من حيث المبدأ -مناقشته هذا الموضوع في هذا التوقيت بالذات ودخوله لهذه المنطقة الشائكة والحساسة، وإثارته الكثير من الموضوعات المسكوت عنها في السينما المصرية وهو يدخل في علاقة (تناص) سينمائي مع فيلم (حسن ومرقص وكوهين) وهو الفيلم الذي مثله حسن فايق قبل الثورة وحوله نجيب الريحاني إلي المسرح، وقد إكتفي صناع الفيلم هذه المرة بحسن ومرقص فقط.. بعد أن ذهب كوهين إلي إسرائيل..؟!ويبدو أن ثقافة التسامح التي كان يتمتع بها المجتمع المصري في بداية القرن العشرين كانت أكثر كثيرا مما هو حادث الآن في بدايات القرن الواحد والعشرين، فرغم وجود احتلال إنجليزي.. ونظام ملكي.. إلا أن المجتمع المصري كان يشهد حراكاً اجتماعياً وليبرالياً متنامياً يتمثل في برلمان وانتخابات حرة نزيهة. وكانت مساحة الود والتسامح وتقبل الآخر متعمقة في وعي وقناعات جموع أفراد الشعب، وهذا واضح كثيرا في ثورة 19 عندما رفع شعار وحدة الهلال مع الصليب.. وتصريح الزعيم مكرم عبيد بأنه مسيحي الديانة.. ولكنه مسلم الثقافة والهوية..!!وفي هذا المناخ ظهرت مثل هذه الأفلام التي كان يتقبلها الجميع.. ويضحك عليها، مثل فيلم «حسن ومرقص وكوهين» وأيضا فيلم (فاطمة وماريكا وراشيل) الذي لعب بطولته الفنان محمد فوزي وإسماعيل ياسين.. والذي يحكي عن شاب متعدد العلاقات الغرامية فيتقمص شخصية المسلم مع فاطمة.. وشخصية المسيحي الأرمني مع ماريكا.. ودور اليهودي مع راشيل.. كما ظهر في هذه الفترة أيضا ممثل كوميدي يهودي شهير له العديد من الأفلام تحت اسم (شالوم) والكل يضحك ويبتسم ويخرج من السينما سعيدًا ودون مشاكل.وقد أشار الفيلم إلي علاقة نجيب الريحاني ببديع خيري اللذين شكلا ثنائيا إبداعيا رائعًا.. حيث لم يكن يعرف نجيب الريحاني ديانة بديع خيري إلا عندما توفيت والدته وذهب الريحاني يعزيه فوجد القرآن الكريم يقرأ علي روحها، وهنا عرف لأول مرة أن بديع خيري مسلم، وربما مثل هذا التصور مازال سائدا حتي الآن لدي معظم الطبقات الشعبية وعامة الناس في مصر، وربما يعتقد البعض حتي الآن أن نجيب الريحاني هو المسلم وبديع خيري هو المسيحي..!!كل هذا يعني أن ثقافة التسامح وتقبل الآخر التي كان يتميز بها المجتمع المصري في حالة تراجع.. مما يعني أن التقدم في الزمن لا يعني بالضرورة الرقي والتحضر..؟!السيناريو.. وحساب المثلثاتلقد سبقت الفيلم دعاية قوية جعلت الناس يذهبون لمشاهدته بانطباعات مسبقة بأنهم سيشاهدون فيلما ساخنا يجمع بين قضايا الدين والسياسة، وهو ما سبب لمعظمهم صدمة حيث جاء الفيلم محايدا تماما وابتعد عن الخوض في قضايا كثيرة مما دفع البعض لوصف سيناريو الفيلم بالبرود، ولكن يوسف معاطي - كاتب السيناريو -علق علي هذا بأن سيناريو الفيلم ليس (باردا).. ولكنه (هادئ)..؟!وقد واجه معاطي مأزقا صعبا لا يحسد عليه عند كتابة مثل هذا السيناريو حتي يأتي متوازن ومحايدا لا ينحاز لطرف أكثر من طرف آخر، وهو ما يحتاج لميزاناً من ذهب، لكن يبدو أن هذا الخوف المسبق من شبهة الانحياز كان مسيطرًا علي كل صناع الفيلم، لذا فقد لجأ الجميع إلي معادلات (التوازن الكمي) في المواقف والأحداث، وكأن الفيلم يسير في خطين متوازيين.. موقف هنا.. وموقف هناك، مشهد هنا.. ومشهد هناك، وحريق هنا.. وانفجار هناك.. هكذا..؟!حتي تحول السيناريو إلي نوع من حساب المثلثات.. أو الرسم الهندسي -علي حد قول الناقد محمود قاسم في جريدة القاهرة - ولعل هذا هو السبب أيضا في أن الفيلم -رغم أنه قدم لنا صورًا متعددة من أشكال التطرف - لم يناقش أبعادها السياسية.. أو تلاعب وتحكم الأيدي الخارجية فيها، وإكتفي دائما بالمناطق الآمنة..؟!والحقيقة أن الفيلم قائم علي فكرة خيالية تماما خصوصا بالنسبة للسينما المصرية والواقع المصري، وهي فكرة تبادل الأماكن بين شخصيات محددة بحيث تعيش كل منها حياة الشخصية الأخري، بما فيها من ملابسات ومفارقات غير متوقعة، وربما تجد هذه الفكرة قبولاً في السينما الأمريكية أو حتي في السينما الهندية.. لكن في السينما المصرية مازالت الذائقة المصرية غير مهيأة لها..!!وقد نفذتها السينما الأمريكية منذ سنوات قليلة في فيلم face off ، الذي لعب بطولته جون ترافولتا ونيكولاس كيدج، والذي يحكي عن تبديل الوجوه بين الضابط والمجرم حتي يتمكن الضابط من كشف أسرار عالم الجريمة المنظمة، وحتي يوسف معاطي نفسه قد عالج هذه الفكرة من قبل قي مسلسل (عباس الأبيض)، الذي لعب بطولته الفنان يحيي الفخراني، وأيضا فكرة المسيحي الذي يتنكر في شخصية المسلم قد سبق طرحها في فيلم (كلام في الممنوع) الذي لعب بطولته الفنان نور الشريف مع ماجد المصري. حتي عمر الشريف قد سبق أن مثل شخصية مقاربة في فيلمه الشهير (السيد إبراهيم وزهور القرآن)والحقيقة أن الكاتب يوسف معاطي من أمهر الكتاب القادرين علي ابتكار فكرة مميزة.. لكنه للأسف أيضا من أكثرهم إهدارا لهذه الأفكار عندما تتحول إلي سيناريو لأنه يضطر للخضوع لرغبات النجم بطل العمل ولمقتضيات السوق، خصوصا عندما يكون هذا النجم هو عادل إمام، وقد ظهر هذا واضحا في فيلمه (التجربة الدنماركية) الذي كان يناقش فكرة حوار الحضارات والغزو الثقافي، لكن السيناريو يتحول إلي اتجاه آخر لإرضاء نزوات عادل إمام الجنسية حتي يظهر بأنه مازال شابا ومرغوبا أمام نيكول سابا أكثر من كل شباب الفيلم..!!ونفس هذه المشكلة بدت واضحة في فيلم (السفارة في العمارة) فرغم الفكرة المميزة التي تعطي الفرصة لمناقشة الكثير من القضايا السياسية والثقافية.. نجد الفيلم يركز علي نزوات شريف صبري الجنسية - الذي أداها عادل إمام - وجلسات المزاج في العوامة النيلية لتظهر قضية التطبيع مجرد خلفية هامشية لنزواته الغرامية.علامات استفهام.. وعلامات تعجبويناقش الفيلم بوضوح العيوب الفجة المتغلغلة في الثقافة الشعبية المصرية، مثل الملل والبلادة ومعايشة القبح، إنها ثقافة القطيع التي يسيطر عليها العقل الجمعي الذي يهب لإشعال معركة.. أو محرقة لمجرد نداء من هنا.. أو صيحة من هناك، أو مجرد صورة عادية لا تحمل أي معني.. كما جاء في الفيلم.ولعل أوضح مثال لسلبيات هذه الثقافة.. هو التفاف الناس حول الشيخ حسن العطار ووصفه بالولي صاحب الكرامات ودعوته ليكون إماما للمسجد لمجرد أنه يرتدي زي رجال الأزهر، ولو اهتم أحدهم قليلا بالبحث والتدقيق في مرجعيات هذا الرجل لاكتشف بكل بساطة أنه (الأب بولس) أستاذ علم اللاهوت. ولك أن تتخيل ماذا يمكن أن يحدث عندما يدعي أستاذ في علم اللاهوت ليوعظ المسلمين في المسجد، وهي إشارة واضحة لطبيعة الشعب المصري المتدين الذي يتبع أي شخص - أيا كان- لمجرد أنه يبدأ كلامه.. بقال الله وقال الرسول..؟!والمثال الثاني علي تلك الثقافة الشعبية التي تميل إلي الاستسهال في الاستنتاج هو موقف ضابط أمن الدولة الذي يقبض علي الأب بولس المتنكر في صورة الشيخ حسن العطار بتهمة انضمامه لتنظيم القاعدة..!! وهذا الأمر يحتاج إلي مئات علامات التعجب.. وآلاف من علامات الاستفهام.. لأنه إشارة واضحة إلي أنه هكذا وبكل بساطة من الممكن أن يذهب أي شخص وراء الشمس لمجرد تشابه في الأسماء.. أو كسل أحد الضباط في تأدية واجبه والتأكد من معلوماته..؟!الله محبةومن أبلغ المواقف في هذا الفيلم جاء مشهد إعتراف الشاب عماد بأنه مسيحي اسمه جرجس، واعتراف الفتاة مريم بأنها مسلمة اسمها فاطمة، وفي لحظة نسوي الإثنان كل مشاعر الحب التي بينهما، وأدار كل منهما ظهره للآخر وانصرف.. وكأن الحب الذي جمع بينهما قد تبخر.. أو لا يستحق علي الأقل بعض الاهتمام والتفكير، إلي هذه الدرجة التي من الممكن أن يتحكم فيها التطرف والتعصب وسوء الفهم في الطرفين.. ويحول مشاعر الحب إلي كراهية في لحظة واحدة..؟!وكأن من المفروض علي كل شاب يقابل فتاة في أي مكان في العالم أن يسألها أولا عن شهادة ميلادها أو جواز سفرها عند أول لقاء بينهما حتي يتأكد كل واحد من دين الآخر.. ومذهبه.. وعرقه.. وأصله وفصله.. قبل أن يحبه..!!الممثلون- عادل إمام: رغم أدائه الجيد إلا أنه لم يصل إلي الذروة التي وصل إليها في فيلم عمارة يعقوبيان.- عمر الشريف: رغم أسلوبه الهادئ الممتع.. إلا أنه لم يتلمس الشخصية في عمقها، واكتفي بمظهرها السطحي.- لبلبة: طاقة فنية هائلة لم يكتشفها أحد بعد، خصوصا بعد وفاة الراحل عاطف الطيب.. المخرج الوحيد الذي حاول اكتشاف هذه الطاقة في فيلم ليلة ساخنة وفيلم الهروب.- محمد إمام: ممثل جيد.. لكن السؤال: لماذا لا يمثل إلا في أفلام والده..!!

No comments: