Sunday, August 17, 2008


إتش دبور فيلم "كول" وبطل "روش"
"مكي" نموذج للشباب المودرن.. رواج فني لهالة فاخر
حسن حسني كبير الياوران في كتيبة الدفاع عن الملل
تقدمها : خيرية البشلاوي
17/8/2008
المصدر: جريدة المساء

أستعير لغة بطل الفيلم وأصف "إتش دبور" بأنه فيلم "كول" Cool. ورغم أن الكلمة ليست لها معني واحد محدد. وإنما خليط من المعاني حسب السياق. فإن المعني هنا كما قصدته. أن العمل ظريف. يدعو للاسترخاء. للضحك الخفيف. الخالي من الاستفزاز أو الاستظراف الممل. وكما سنلاحظ فإن شخصية "دبور" مفرنجة. فرانكوآراب يهوي استخدام كلمات إنجليزية في لغته اليومية. . ويصر عليها ضمن صفاته المميزة وإصراره علي الاختلاف وابتكار التقاليع الغريبة لتكريس قيمة التفرد. وخلق أسباب مفتعلة تبرر حالة التعالي والقنزحة الفارغة. وتجعله ينظر إلي "أبناء الرعاع" الفقراء في الحارة الشعبية نظرة دونية. لأنهم يستخدمون "التواليت" البلدي المسطح. ويعيشون في شقق مخنوقة بالأثاث البلدي المفلطح وأبناؤهم أو بناتهم يحاولون التشبه بأبناء الطبقة الأعلي يحاكونها باستخدام كلمات إنجليزية تخرج من أفواههم مشوهة. يختلط حرف الباء "B" بالباء الأخري الثقيلة "P" الأمر الذي يسبب عكننة لدبور ويجعله يتعامل مع الشابة الصغيرة ابنة سائقه "بقنزحة" مستفزة لها. فهي متعلمة. درست الحقوق ومحامية وتستطيع مساعدته من الورطة التي وجد نفسه محشورا فيها. و"دبور" أو أحمد مكي. شاب ثري. لا يعمل. ولم يتعلم ولا يحترم العلم. وثراؤه مثل ثراء عشرات الآلاف الذين أثروا من الاتجار ببضائع مغشوشة. والده "حسن حسني" يمتلك شركة لصناعة الشامبو Shampoo اسمها هيري هير "Hairy hair" ومعناها مجازيا "شعر كثيف". وخذ بالك عزيزي القاريء ألا تخطيء في نطق الكلمة صحيحة لأن الباء الإنجليزية غير الباء العربية حتي لا تصبح من "الرعاع" مثل "أرواح" "إنجي وجدان" ابنة سريانوس سائق دبور الذي يعيش في حارة وظروف أهلها المعيشية والحضارية صعبة. علماً بأن "الحارة" سيتعلم "دبور" عبر الاحتكاك بأهلها قيم المودة والتكافل والقيم الإنسانية التي يحتاجها الشاب الأرعن المتعالي المفلس الذي يتخلي في النهاية عن حالة الفرنجة التي يتقمصها. خصوصا بعد أن تخلي عنه صديقاه المزيفان "جامايكا" و"أميتات" لن نسأل عن التصور المثالي الساذج والشائع عن واقع الحارة وإن أشار المخرج بالصورة وليس بالحوار الفارغ. إلي أطفال الشوارع وصنع منهم نمرة ضاحكة طريفة. ولا عن قصة الحب بين أرواح ودبور في النهاية. فتلك "نمرة" أخري. ولا عن علاقة "كانوشا" بأمه البدينة سليطة اللسان التي تزوجت من شاب أسود يصغرها بسنوات طويلة. و"الكرنفال الشعبي" الذي شهد عرسها. فكل هذه "نمر" تشكلت منها بنية الفيلم الذي جاء علي مقاس أحمد مكي وإطار لاستثمار ملكاته وموهبته في إثارة الضحك. جانب صحيح من الهزل في حكاية "إتش دبور" كما صورها المؤلف والمخرج جانب صحيح. وشخصية دبور الكاريكاتورية "المأفورة" من "أوفر" بمعني مبالغ فيها جدا. هذا الجانب ينطوي علي قدر غير قليل من خصائص شريحة من الشباب "المودرن" وهو شاب ابتكر في قاموسه اللغوي الخاص صفة رِوش "بكسر الراء" والكلمة علي خلاف "كول" محلية وتنطوي بدورها علي كثير من الصفات. ومشتقة ربما من كلمة "رَوشة" أو "روشنة" التي توحي بالرعونة. وإن كان المعني الحقيقي نستشعره في المظهر وتسريحة الشعر ونوع الكريمات المستخدمة والميول الاستعراضية والسلوك المتسم بالخفة والتعجل والتملص من المسئولية. أسلوب التقدم المشهد الأول في فيلم "إتش دبور" يدور داخل صالة "دبسكوتيك" أثناء حفل راقص لمجموعة كبيرة من الشباب أصدقاء "دبور". ونماذج من نفس "فصيلته" ولكن دبور يعتبر الزعيم "الكول" جدا. والمخرج لا يقدمه "دفعة" واحدة. وإنما دفعات في لقطات قريبة لتفاصيل من تكوينه الجسماني. أولاً الميدالية الشهيرة التي تحمل الحرف "H" التي يعلقها في رقبته. ثم لقطة ليده. ثم فمه. وأخري وظهره للكاميرا حيث يرتدي جاكت سبور "مِنجّد" "كابوتنيه" بدون أكمام علي آخر موضة. ونظارة. وبعد ذلك يبدأ بغزو أذن المتفرج بعد عينه بلوازمه الصوتية الإنجليزية ثم يندمج في الرقص. برشاقة وخفة وأسلوب مدروس وليس مجرد "هرتلة" جثمانية. فهو ممثل لا "يهيس" ولا تسألني عن معني "هرتلة" أو "تهييس" ولا عن معني "Funky" أو "shit" أو أي شيء في قاموس دبور الذي يعرفه جيدا النسبة الأكبر من الجالسين في الصالة. بعد دبور الروش "الفَنكي" نتعرف علي سائقه الذي يعامله بمنتهي الاحترام "دبور بك" وهو يرتدي ملابس اسكتلندية "جونلة مربعات ومزامير يعلقها علي كتفه" فالسائق و علاقته بدبور تكشف عن التباين الطبقي الكبير ثم لاحقا علي الامتثال الذي يبديه دبور كطبقة ظلت في القمة لسائقه الذي يتطوع لإيوائه بعد أن يدخل أبوه السجن بتهمة الغش.. ونتعرف في مشهد لاحق علي المستوي الاجتماعي الذي وفره الأب للابن دبور.. القصر والسيارة والأبهة الشكلية ثم نتعرف علي الأب نفسه "حسن حسني" وهي تصوير كاريكاتوري آخر للشخصية التي بدأت من الزيرو ووصلت إلي ذروة الثراء. ثم إلي زنزانة السجن بسبب مؤامرة دبرتها آنسة عجوز تمتلك شركة شامبو منافسة. وكان الرجل يعمل موظفا صغيرا وكانت تشتهيه وتتودد إليه وهو يرفضها حتي أصبح هو نفسه رأسماليا يمتلك شركته الخاصة. تؤدي دور شخصية "لطيفة بغدادي" العانس الثرية الشريرة. هالة فاخر بأداء صوتي مألوف جدا منذ أن كانت تلعب شخصية "طمطم" في مسلسل الأطفال المعروف. ولكنها في هذا الفيلم تقوم بتركيب الأداء الصوتي علي شخصية امرأة متصابية وليس مجرد عروسة طفلة. وأعتقد أن هذه "التركيبة" العكسية من صنع المخرج. وليس من اختيارها. فقد أراد أن يستعير من الأطفال والكبار ويصنع مزيجا آخر بالصوت والصورة الحية يداعب به المتفرج وذاكرته. وما يلفت النظر انها. وإن كانت تجسد الصورة النمطية للعانس. إلا انها بأدائها وأزيائها. ولوازمها الشكلية تضيف لحالة الفكاهة التي يولدها أداء وشخصية دبور. أبعادا أخري. وهي حالة تختلف عن حالات "اللمبي" وتوابعه. وخالتي نوسة وما قبلها وبعدها. في حالة هنيدي. وتختلف بالطبع عن الحالة الأكثر قيمة فنيا التي نعايشها مع أحمد حلمي.. أحمد مكي علي أي حال ممثل يمتلك قدرات تمثيلية. وكما أتصور "دماغ" تجعله علي وعي بضرورة الخروج سريعا من باروكة ولوازم "دبور" وقد حاول في فيلم "ليلة البيبي دول" وكان مقنعا بغض النظر عن مستوي الفيلم نفسه. حالة هالة فاخر تعيش هذه الممثلة في حالة "رواج" فني جاءت متأخرة ولكن وكما يقول المثل الذي يمكن أن نسمعه بلسان دبور المتفرنج Never Too Late. بمعني "أبداً لن تفوت الفرصة". فقد وجدت نفسها في السنة الأخيرة في أدوار درامية جادة. وأعادت تعريف قدرها ومكانتها. وفي هذا الدور رغم "خفته" دراميا يشد الانتباه إلي حالة الحيوية والرشاقة الجثمانية والروح الجديدة التي تعكس ضمنيا رصيد النجاح في حياة الممثلة وتأثيره في إعادة خلق الممثل كإنسان يسعي دائماً إلي "نيولوك" شكلا ومضمونا. مصادر الفكاهة في الأفلام الفكاهية.. ولاحظ انني أتجنب استخدام مصطلح "كوميدي". لأن هذا النوع الدرامي الأصيل. ليس مجرد وسيلة لإثارة الضحك فقط. أو ثوب فضفاض من قماشة رديئة علي مقاس ممثل أو نجم هزلي موهوب.. فالأفلام "الكوميدية" التي تتوالي تباعا علي الشاشة أشبه ببرنامج "ساعة لقلبك" لكن بعد تطور مادة الفكاهة وتكييفها لمتفرج اليوم. ولابد من الاعتراف -وقد حرصنا بهذا كثيرا- أننا كشعب بطبيعته مرح. ثم أصبح مضغوطا داخل حلة من البخار الساخن. نحتاج إلي ساعات لترطيب روحنا وليس مجرد ساعة. حتي نواصل الحركة والرضا بما كتبه القدر. وفي مدة الفيلم لا يتوقف التنفيس الفكاهي علي "دبور" ولا "لطيفة" ولا "سريانوس" "لطفي لبيب" وإنما هناك حسن حسني في دور الأب وهو كالعادة يمثل كبير الياوران في كتيبة الدفاع عن حالات الملل. وإن تحول هو نفسه أحيانا إلي شخصية مملة. الممثلون الثانويون يضم الفيلم بعض الممثلين الثانويين الذين ساهموا في تحقيق هذا الشريط الفكاهي الظريف فعلاً. مثل الممثل الشاب "سامح حسين" الشاب الذي لعب شخصية الصايع السكير. ابن الحارة الذي تزوجت أمه وتركته لشرب الخمر. أو شخصية العجوز الصامت الكومبارس الذي نطق جملة واحدة. وكان في صمته أكثر إثارة للضحك. ثم الممثل أحمد عبدالمعطي في دور السينمائي الفاشل. صاحب نادي الفيديو الذي انتهي عمره الافتراضي. ويعيش في أوهام المثقف الذي يتصور أن الآخرين يسطون علي أفكاره وهو بعد داخل رأسه. لقد لعب حتي الديكور "لبيت كانوشا" دورة مياه "سريانوس" وشخصية "أرواح" الفتاة المتفرنجة. التي أدت دورها ممثلة مبتدئة ولكنها لعبت الدور بفهم وخفة مقنعة. عموما يمثل الخيال الذي استحضر شخصية إتش دبور وحكايته أو بالأحري "نمرة" المصورة. يمثل ترجمة لظروف الفوضي التي تسود المجتمع عندما يختلط الحابل بالنابل خصوصا عندما تختلط الحدود الاجتماعية. وتحدث عمليات الحراك الاقتصادي الرهيب لأفراد بعينهم أمثال "دبور" رغم أصل أبيه المتواضع. وفي إطار هذا الخيال. يمكن أن تعثر علي بائع فول صيني وزوجته "بنج بونج". وفي معمعة هذا الهزل "الفوضوي" يمكننا العثور علي مرآة عاكسة لكثير من مظاهر الاختلال الفعلي. فتغلغل البضاعة الصينية داخل بيوتنا وعلي أرصفة شوارعنا وفي كل مناسباتنا الاجتماعية حتي الدينية لا نستبعد أن نجد بائعا للفول المدمس يحمل الجنسية والملامح الصينية في حوارينا وشوارعنا.. وربما وجدنا خروف العيد الكبير بعد كعك العيد الصغير في الأسواق.

No comments: