Wednesday, July 16, 2008

حسن ومرقص فيلم ضد الفتنة
16/7/2008
ماجدة خيرالله
المصدر: اخر ساعة
يبدو أن حالة الخلط والتخبط التي أصابت فئة ليست قليلة من الجمهور المصري والعربي
بشكل خاص قد نسيت أن هناك فرقا كبيرا بين شخصية الفنان في الواقع والشخصيات التي يؤديها علي الشاشة، فيمكن للفنان أن يقدم دورقاتل أو منحرف أوفاسد دون أن يكون لتلك الشخصيات أي علاقة بتكوينه النفسي والسلوكي في الواقع، ومهارة الفنان تقاس بقدرتة بإقناع المشاهد بأن مايقدمه حقيقي وليس مجرد تمثيل! فمن بين الاتهامات الموجهة لصناع فيلم حسن ومرقص سخريته من الأديان وتعمده إظهار رجال الدين المسلم والمسيحي في صورة بغيضة لاتتناسب مع جلال مهمتهم السامية في تعليم الناس أصول الدين !وهي تهمة سخيفة وغير منصفة تؤكد أن هؤلاء لم يشاهدوا الفيلم أو شاهدوه بعيون وقلوب خاصمها الوعي والقدرة علي التمييز! ويبدو أننا فعلا قد فقدنا روح الدعابة وتقبل النكتة واستيعابها وفهم طبيعة الفنون ودورها الترويح عن الانسان وإنقاذه من همومه ومشاكله وأزماته التي تتزايد بقدر تزايد تعقيدات الحياة وارتباكها !حملت سنوات السبعينيات تغيرا كبيرا في السمات الأساسية للمجتمع المصري، وبدأ شبح التطرف الديني يطل برأسه، وبدأ ظهور الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الدين ستارا، وكان لابد للسينما المصرية أن ترصد تلك التغيرات التي ظهرت علي سطح المجتمع المصري، وأصبحت تهدد أمنه، واستغل الفنان عادل إمام شعبيته الكاسحة في تقديم مجموعة من الأفلام السينمائية، تناقش معضلة الإرهاب الديني الذي يعتبر طاعون هذا الزمن، وأهم كوارثه الإنسانية، الإرهابي وطيور الظلام،من أهم تلك الأفلام التي قدمت نماذج لوسائل استقطاب الشباب المصري وإعدادة ليكون نواة لمشروع كبير لتخريب المجتمع وضرب سلامته وأمنه الداخلي بالتحريض علي عداوة وكراهية أصحاب الديانة المسيحية، مما أدي الي خروج مارد التطرف المسيحي من قمقمه، وظهور العداء الكامن في النفوس علي السطح،ومحاولة أقباط المهجر تشويه صورة الإسلام وإطلاق دعاوي كاذبة عن اضطهاد الأقباط في مصر!ومن هنا تظهر أهمية فيلم حسن ومرقص الذي كتب له السيناريو يوسف معاطي وأخرجه رامي إمام ويشارك في بطولته عادل إمام بولس وعمر الشريف الحاج محمود مع لبلبة ومحمد إمام وشيرين عادل وهناء الشوربجي، والفيلم يخرج عن كونه عملا فنيا بقصد التسلية والترفيه عن جمهور الصيف ويتحول الي قضية !أو جرس إنذار يحذر من انفلات العناصر المتطرفة التي قد تسحب المجتمع المصري الي حرب أهلية تدمر كل الأشياء الجميلة الباقية !وتعيدنا قرونا للخلف !
***علي امتداد أحداث الفيلم تدرك أن يوسف معاطي كان يكتب سيناريو الفيلم وكأنه لاعب سيرك يمشي علي حبل رفيع للغاية ويخشي أن يسقط من ارتفاع شاهق، وخاصة وأن الأفلام السابقة التي تناولت شخصيات قبطية عانت من حالات هجوم عنيفة من الإخوة الأقباط مثل ماحدث في فيلم بحب السيما ولذلك كان يوسف معاطي حريصا من البداية علي أن تكون الأحداث والشخصيات متوازنة، فإذا بدأت اللقطات الاولي من الفيلم باستعراض إحدي الكنائس فلابد وأن تكون اللقطة التالية لمسجد، وإذا ظهر بين المسلمين متعصب فلابد وأن يظهر في الطرف الآخر شخص متعصب، وإذا دلت شخصية الأب بولس عادل إمام علي الاعتدال والتعقل فلابد وأن تكون شخصية الحاج محمود عمر الشريف تحمل صفات المسلم السمح المتسامح !تبدأ الاحداث من شخصية الأب بولس الذي يحضر مؤتمرا للوحدة الوطنية ويلقي كلمة تدل علي اعتداله واحترامه للآخر، وهذا مايدفع بعض المتطرفين من أبناء دينه لوضع قنبلة موقوته في سيارته، ولكنه ينجو بأعجوبة هو وابنه الوحيد جرجس محمد إمام من محاولة الاغتيال، أما الشيخ محمود عمر الشريف فهو تاجر عطارة، يقتل شقيقه الأصغر الذي كان ينتمي لإحدي الجماعات المتطرفة، علي أيدي رجال الشرطة، وتطالبه الجماعة بالانضمام إليها ليخلف شقيقه في إمارة الجماعة، ولكنه يرفض العرض ويصرف أبناء الجماعة بالمعروف، ولكنهم يعاقبونه علي ذلك بتفجير متجره!يتدخل اللواء مختار عزت أبو عوف رجل الأمن، وينصح الأب بولس بالاختفاء خوفا علي حياته، ويصدر له بطاقة جديدة تحمل اسما مسلما وهو الشيخ حسن العطار، أما ابنه جرجس فيصبح اسمه عماد، وزوجته ماتيدا تحمل اسما مسلما وتضطر لارتداء الحجاب، ويسافر الأب بولس الذي اصبح الشيخ حسن الي محافظة المنيا ويعيش هناك بعض الوقت، ويفاجأ بأن جيرانه يعتقدون أنه رجل دين مسلم، فيطالبونه بإمامتهم في الصلاة، ويقتحمون حياته طلبا لفتواه في أمور الدين، وتمضي الأحداث ويصطحب أسرته للقاهره حيث يقيم في منزل صديق مسيحي، يمتلك عمارة سكانها من الأقباط فقط !وتحتها محل مشغولات ذهبية يملكه رجل قبطي يوسف داود يستنكر وجود شيخ مسلم بين سكان عمارة ويليام، ويطالبه بإقصاء هذا المسلم من العمارة دون أن يدرك أن الشيخ حسن العطار، هو الأب بولس !ويفاجأ الشيخ حسن بأن الشقة التي تقابله يسكنها مرقص وهو نفسه الحاج محمود عمر الشريف ولكنه هو الآخريحمل هوية مزورة لرجل مسيحي، وسرعان ما تحدث صداقة بين العائلتين.
***وفي واحد من أجمل مشاهد الفيلم وأقواها تأثيرا، يستمع الأب بولس عادل إمام إلي آيات من القرآن الكريم، تؤكد معاني التسامح والاعتراف بكافة الأنبياء والأديان السماوية، فتحدث لديه حالة من الاطمئنان، ويتلو صلاته في سره، وكذلك يفعل الحاج محمود الذي يتلو صلاته في الكنيسة !وإذا كان الحب، في معظم الأعمال الأدبية والسينمائية سببا في لم الشمل وتجاوز المحن، والتغاضي عن الفروق الاجتماعية والعرقية فإنه في فيلم حسن ومرقص، يؤدي الي كشف الحقائق، وإعلان الهوية الدينية لكل من عائلتي الأب بولس عادل إمام والحاج محمود عمر الشريف ،فبعد قصة حب رومانسية تجمع بين عماد أو جرجس محمد إمام وبين فاطمة أو مريم شيرين يقرر الشاب مصارحة فتاته بالحقيقة ظنا منه أنها مسيحية مثله، ولكن الفتاة تصدمها المفاجأة، وتنزع يدها من بين أنامل الشاب التي كانت تبادله الإعجاب من ثوان، بمجرد أن تدرك أنه علي غير دينها رد فعل طبيعي جدا وسرعان مايتبدل الحال بين الأسرتين، بعد أن كانا يعيشان في شقة واحدة ويقتسمان الطعام، ويشعر كل من أفراد العائلتين بالأمان في وجود الآخر، تحدث القطيعة ويلزم كل منهما حدود غرفته لايخرج منها، ويقدمهما الفيلم في مشهد شديد الإيحاء حيث يفصلهما جدار سميك، وتصر كل من الزوجتين علي مغادرة الشقة في الحال، حتي لاتضطر لمعاشرة أسرة علي غير دينها، ويخرج الحاج محمود عمر الشريف لاستدعاء سيارة تحمل أسرته وأثاث منزله، ولأول مرة يغلق الحجرة علي زوجته وابنته خوفا عليهما من أفراد اسرة بولس ،وفي الجامع المجاور يقوم شيخ متعصب جهول بتحريض الشباب علي الجهاد ضد أعداء الدين الإسلامي المسيحيين ، وهو نفس مايفعله قس مسيحي في الكنيسة المقابلة، ويؤدي التحريض إلي حالة هائلة من الاحتقان تخرج بعدها جحافل من الشباب المسلم حاملين السنج والسيوف شاهرين إياها في وجه جحافل من الشباب المسيحي يحملون العصي والأسلحة البيضاء، ويحدث تلاحم رهيب بين الفريقين، وتعم الفوضي وعمليات التخريب، وترتفع ألسنة النار من المتاجر، وتصعد للمنازل! وتسعي أسرة الأب بولس للهرب من الشقة بعد أن حاصرتها ألسنة النار، وتجري ماتيلدا لبلبة المسيحية الي الشارع بملابس نومها، يلقاها الشيخ محمود فيخلع عنه سترته ويسترها بها، أما الاب بولس فقبل أن يهرب الي الشارع يدرك أن زوجة الحاج محمود وابنته محتجزتان في الغرفة المغلقة، فيسعي الي إنقاذهما معرضا نفسه لمخاطر الحريق !أما مشهد النهاية فهو يحمل رسالة الفيلم ويمنحه قيمة إضافية حيث يقوم أفراد الاسرتين بالاحتماء كل منهم بالآخر وتمتد الأيدي لتصنع جسرا، يمكنهما من اختراق صفوف المتقاتلين، في عزم وتصميم وكأنهما قد أدركا أن لاوسيلة لأمان هذا المجتمع وسلامه إلا بالتصدي ومواجهة الخطر الذي سوف يبتلعنا جميعا إذا أصر أي من الطرفين علي عدائه للآخر!
***موسيقي ياسر عبد الرحمن تشارك عادم إمام وعمر الشريف البطولة وتضع المشاهد في حالة من الشجن الجميل مع بداية مشاهد الفيلم وتتصاعد شحنة العاطفة حتي تبلغ ذروتها مع مشهد النهاية، عادل إمام الكوميديا الهادئة التي لاتطغي علي قيمة القضية، حالة إنسانية فريدة لايستطيع أن يقدمها سوي عادل إمام وخاصة في مشهد صلاته وهو يجسد شخصية رجل دين مسيحي في أحد المساجد وتأثره بكلمات القرآن الكريم،ومشهد اكتشافه أن صديقه مرقص هو رجل مسلم يدعي الحاج محمود، أما عمر الشريف فهو يختزل خبراته وتاريخه في أداء شخصية تبدو شديدة البساطة ولكنها تحمل أبعادا مركبة، الاداء بدون تعال، من شيم الكبار فقط، لبلبة تزداد نضجا وقيمة مع الايام، محمد إمام نموذج للشاب المصري بعيدا عن الروشنة، وجه هاديء وأداء عفوي ولايؤرقه كونه إبن عادل إمام، شيرين عادل استهلكت نفسها في مسلسلات تليفزيونية كثيرة في وقت قياسي، يمكنها أن تعيد حساباتها ولكن عليها ألا تتوقع المزيد من السينما، رامي إمام في أفضل حالاته وخاصة مع مشاهد المجاميع أكثر من ألف كومبارس في حالة تلاحم وقتال عنيف

No comments: