حسن و مرقص .. لم يشعل الفتنة بل فضحها
09/07/2008
المصدر: الاهرام - كتب علاء السعدنى
السؤال الذي يجب أن يفرض نفسه وبقوة قبل مشاهدة فيلم حسن ومرقص, هل كان يستطيع أحد أن يغامر بعمل فيلم مثل هذا, ويدخل بنفسه إلي حقل ألغام الوحدة الوطنية, ويفتح به الملف الشائك للفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين؟أكبر الظن أنه لا أحد يستطيع عمل هذا سوي عادل إمام فقد عودنا هو علي ذلك بعد أن أصبحت مهنته بل وشغله الشاغل هو البحث عن القضايا الساخنة والشائكة حتي لو ادخلته إلي اللغم نفسه, وأظن أيضا أن تاريخه السينمائي هو الشاهد علي ذلك بدءا من اللعب مع الكبار, وطيور الظلام, و الإرهاب و الكباب, ومرورا بـ الإرهابي, والسفارة في العمار, ويعقوبيان. وطوال هذا الوقت وهو مازال يواصل رحلة الرصد التاريخي للتفاصيل الحياتية التي نعيشها.أقول هذه المقدمة الطويلة والضرورية أيضا لأني أعلم تماما أن عادل إمام لن ينجو بفعلته من جراء هذا الفيلم, وأعلم أيضا أنه في الوقت الذي يجب أن نشكره فيه لمجرد كونه يفكر في عمل فني يترجم هذه الحالة المستعصية التي نعيشها في فيلم حسن و مرقص وهذا ليس بالأمر السهل علي الاطلاق, فبدلا من الشكر ستكال له الاتهامات بالجملة إن لم تكن كيلت بالفعل قبل تصوير الفيلم وأثناءه وقبل عرضه, حيث تعرض لحملة شعواء علي الفيس بوك جعلت المسلمين معترضين عليه وكذلك الأقباط أيضا, أما وقد عرض الفيلم فسيتجه الاتهام إلي التحريض علي اشعال الفتنة بين المسلمين والأقباط ده علي أساس انها كانت نائمة ولم يوقظها إلا فيلم عادل إمام عموما الجدل مطلوب وعادل كفيل به بل ومعتاد عليه.تبدأ أحداث الفيلم الذي كتبه المؤلف يوسف معاطي عن رجلي دين احدهما عالم لاهوت وهو بولس عادل إمام والآخر الحاج محمود عمر الشريف تاجر عطاره عارف بالدين وكلاهما رغم تدينهما الشديد متسامحين وبعيدين تماما عن أي تعصب ونتيجة لهذا يدفعان ثمن هذا التسامح ومن هنا تبدأ المشكلة في الفيلم, حيث لا يعجب بعض الاخوة المسيحيين موقف بولس الحيادي ويطالبوه بضرورة التشدد في التعامل مع المسلمين, ولما رفض هددوه بالقتل, ونفس الموقف يحدث مع الحاج محمود الذي يعمل اخيه مع جهة إرهابية كأمير لهم وعندما يقتل تطالبه الجماعة بأن يحل محل اخيه في زعامتهم, ولما رفض هددوه بالقتل هو الآخر وأمام هذا وذاك وجد اللواء مختار وهو ضابط كبير في الداخلية عزت أبو عوف أن أفضل حل للخروج من هذه الأزمة بالنسبة للاثنين أن كل منهما ينتحل صفة دينية غير ديانته, فأصبح بولس هو الحاج حسن العطار بينما الحاج محمود أصبح مرقص المسيحي.وهكذا لعب الجزء الأول من الفيلم علي هذه المفارقة والتي تفجرت من خلالها المواقف الكوميدية فجاءت صارخة أحيانا وأحيانا أخري هادئة, وعموما فالفيلم ليس كما كنا نتخيل قبل مشاهدته بأنه كوميدي خالصا, حيث اتضح عكس ذلك أثناء مشاهدتنا, حيث تحول الجزء الثاني وخاصة الأخير منه إلي الجدية التامة, وفي الحقيقة سيطر علي هذا الجزء السرعة وتدفق الأحداث, بل والعمق ليضع يده علي مواطن الضعف والسلبية في علاقة المسلمين بالمسيحيين. وفي الحقيقة أيضا لم يبخل سيناريو الفيلم بفضل يوسف معاطي من الضغط علي الجرح الغائر في هذه العلاقة, وتغلغل لأقصي حد وجرأة في رصد كل تعاملات المسيحيين مع المسلمين ونظرة كل منهما للآخر سواء المعلنة كانت أم الخفية, والأهم أنه طرح هذه العلاقة بل فضحها وعراها علي حقيقتها وربما ومن هذا المنطلق يأتي الاتهام بالتحريض علي الفتنة آل يعني هذا لا يحدث في الحقيقة عموما هذا هو حالنا حيث نضع دائما رؤسنا في الرمال في القضايا التي لا نحب أن نتكلم فيها أو عنها ولكن الفيلم أبي أن يدفن رأسه في الرمال مثلنا وقد عبر هذا في مشهد بديع في أواخر الفيلم عندما راح يصور أشكال الصراع والفتنة التي لم تعد نائمة مهما قلنا عكسذلك بسبب الخطب المتعصبة من بعض المتعصبين سواء في الكنائس أو الجوامع والتي بسببها اشتعلت أحداث الفتنة بين مسلمي وأقباط الاسكندرية, وهي حادثة حقيقية وقعت بالفعل وشاهدنا بأنفسنا أحداثها مؤخرا وبها أنهي الفيلم أحداثه ولكنه لم ينه العلاقة الأبدية بين الطرفين وابرز روح التآخي التي كانت وستظل إلي الأبد حيث سار أبطال الفيلم عادل إمام وأسرته المكونة من زوجته ماتيلدا لبلبة التي مازالت تجيد اللعب علي الأدوار الجديدة عليها تماما من فيلم لآخر. وابنه جرجس محمد عادل وفي الحقيقة لم نشعر بغرابة ي علاقة جرجس بأبوه ربما لأنه كذلك في الواقع, وقد اكتسب محمد في هذا الفيلم بعض الكوميديا من والده وكذلك عمر الشريف وزوجته هناء الشوربجي وابنته فاطمه وشيرين عادل في أول أدوارها في السينما, وقد تفهمت شيرين أن هذا دور عمرها فلعبت بذكائها عليه بأقصي طاقتها فجاءت كالموناليزا الجميلة بوجهها الاخاذ وابتسامتها الساحرة وعفوية أدائها, فساروا معا وسط المشاجرة الغوغاء بين المسلمين والأقباط حيث تتشابك ايديهم ومن قبله تشابكت قلوبهم, ليعلن الفيلم في النهاية عن أن العلاقة ستظل أبدية بين الاثنين مهما تفاقمت جيوش التعصب الغشيمة فدائما سيظل الهلال بجانب الصليب, وهكذا حثنا ديننا الحنيف علي ذلك, وقد عبر عنه الفيلم في مشهد الجامع عندما دخل فيه بولس وابنه جرجس مضطرين أثناء صلاة الفجر ليسمعا بنفسهما إمام الجامع وهو يتلوا بعض من آيات الذكر الحكيم بسم الله الرحمن الرحيم ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصاري إذ أن فيهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون.صدق الله العظيموإن كان هناك بطل آخر في هذا الفيلم بجانب أبطال الفيلم فكانت الموسيقي التصويرية لياسر عبد الرحمن التي جاءت وكأنها سيناريو قائم بذاته خاصة بعمل هذا المزج الفريد بين الترانيم المسيحية والتواشيح الإسلامية فكانت عزفا فريدا ومتفردا.ورغم أن رامي إمام كان قد كتب لنفسه شهادة ميلاده كمخرج في أفلام أخري بعيدة عن والده عادل إمام إلا أن هذا الفيلم سيعد نقطة الانطلاق الحقيقية والمهمة في مشواره حيث نجح في قيادة فيلم كبير بحجم حسن ومرقص ومع نجوم كبار عادل إمام وعمر الشريف بجانب سيناريو متشعب ومع ذلك لم تفلت منه خيوطه, والأهم أنه قاد كل فريق العمل ووظفهم بنجاح في أدوارهم فجاءوا جميعا في أحسن حالاتهم يوسف داود وضياء الميرغني وإداورد وحسن مصطفي وعزت أبو عوف وجميع من في الفيلم وساعده في ذلك مونتاج ماجد مجدي والديكور الجيد لعادل مغربي, وكذلك عدسة مدير التصوير أحمد عبد العزيز.ويحسب للفيلم أنه أثبت وبجداره أن التمثيل ليس له عمر بدليل أن بطلي الفيلم مخضرمين إلا أنهما أجادا بشكل ليس له نظير, فجاء عادل إمام اداءه هاديء وناضجا مغلفا بالكوميديا أما عمر الشريف فكان متعة في حد ذاته وفي اداؤه السهل الممتنع وفي مخارج الألفاظ خاصة في قراءة سور القرآن الكريم والأدعية. وقد يكون هذا الفيلم بداية لفتح ابواب السينما امام ادوار اخري جديدة له.وفي النهاية يجب ألا نغفل الانتاج السخي لجود نيوز والذي لولاه ما خرج الفيلم بهذا الشكل المبهر!
المصدر : الاهرام - عـلا السعــدني
No comments:
Post a Comment