Tuesday, July 22, 2008

رقابة الداخلية علي الأفلام تثير الجدل بين السينمائيين
جريدة المصرى اليوم - كتب محسن حسنى
٢٢/٧/٢٠٠٨

هل تعود وزارة الداخلية لممارسة دورها الرقابي علي الأعمال الفنية المصرية كما كانت تفعل علي مدار خمسين عامًا خلال القرن الماضي منذ عام ١٩٠٧؟ سؤال نطرحه بعدما أبدت الداخلية ملاحظاتها علي أفلام «نمس بوند»، و«مسجون ترانزيت»، و«هي فوضي» وغيرها من الأفلام التي عرضت العام الحالي والعام الماضي، وكان لصناعها احتكاكات بدرجات متفاوتة مع الوزارة.
في عام ١٩٠٧، بدأت وزارة الداخلية ممارسة دورها الرقابي «الشرعي» علي الأعمال الفنية بمصر، وكانت هي الجهة الوحيدة التي توافق أو تمنع عرض فيلم أو مسرحية حتي عام ١٩٤٧، ثم انتقلت رقابة الأعمال الفنية إلي وزارة الشؤون الاجتماعية، وعادت مرة أخري لوزارة الداخلية. إلي أن آلت في النهاية لوزارة الثقافة عام ١٩٥٥ حين صدر قانون إنشاء جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية، وبموجب هذا القانون أصبح لذلك الجهاز وحده الحق في رقابة الأعمال وإجازتها أو منعها مما يعني أن تدخل أي جهة أخري يعتبر مخالفة قانونية.
مسألة إبداء ملاحظات «بوليسية» علي أفلام سينمائية، أمر يرفضه السينمائيون من حيث المبدأ، لأن هناك جهازًا مستقلاً تابعًا إداريا لوزارة الثقافة وظيفته الرقابة علي المصنفات الفنية، ولأن رقابة وزارة الداخلية علي المصنفات الفنية ألغيت بموجب القانون منذ أكثر من خمسين عامًا.
خالد يوسف المشارك في إخراج فيلم «هي فوضي» أبدي أسفه الشديد من تدخل وزارة الداخلية في الفيلم بإبداء بعض الملاحظات ومطالبة الرقابة بتنفيذها، وقال يوسف: ليس من حق أي جهة حتي لو كانت سيادية أن تراقب أفلام السينما، لأن الدستور والقانون حددا جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية كجهة وحيدة منوط بها مراقبة الأعمال الفنية (رغم تحفظي علي وجود جهاز للرقابة الفنية من حيث المبدأ) وهذا القانون المعمول به منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي ينبغي احترامه وتفعيله،
لكن مع الأسف الشديد لاحظنا نحن السينمائيين خلال الفترة الأخيرة أن جهاز الرقابة ينصت لنصائح رقابية من جهات أخري كالأزهر والكنيسة ووزارة الداخلية، والقوات المسلحة، ومع احترامي الكامل لتلك الجهات فإنني أعتقد أنه ليس من حقها مراقبة الأعمال الفنية لأن ذلك يعني مخالفتها للقانون والدستور، كما يعني أن الدولة مرتعشة وأن جهاز الرقابة ليس لديه قدر كاف من الثقة يجعله يتخذ القرارات بمفرده ويتحمل المسؤولية وحده، ولذلك يلجأ إلي إشراك جهات أخري في قراراته.
وأضاف خالد: رغم تحفظاتي علي وجود جهاز للرقابة إلا أنني في النهاية أستطيع التحدث والتحاور مع علي أبوشادي رئيس الرقابة باعتباره ناقدًا فنيا كبيرًا، ولكن كيف أتحدث مع ضابط شرطة في دراما أعمالي، وكيف أقنعهم بضرورة وجود مشهد لا يروق لهم؟ والحقيقة أنني في تجربة «هي فوضي» لم أحتك بهم احتكاكًا مباشرًا وإنما كانت للداخلية ملاحظات ارسلتها للرقابة التي كانت وسيطًا بيني وبينهم، لكنني لم أستجب لتلك الملاحظات، باستثناء ملاحظة واحدة أقنعني بها علي أبوشادي وهي مراعاة حساسية الظروف الراهنة بين القضاء والشرطة من أجل الصالح العام، والتزمت بذلك لأنها ملاحظة منطقية.
وقال خالد: الرقابة عمومًا، بصرف النظر عن الجهة التي تمارسها، أعتبرها مؤسسة قمعية تكبل الإبداع وتعوق أي تقدم فني، وأذكر واقعة بيني وبين الرقابة منذ عامين حين عرضت عليهم فيلم «المشير والرئيس» فأحالوني لجهات أمنية لكنني رفضت هذا واعتبرته مخالفة صريحة للقانون، وأقمت دعوي قضائية ضد جهاز الرقابة، لأننا كسينمائيين إذا ارتضينا وجود جهاز للرقابة فهذا لا يعني أن تكون كل مؤسسات المجتمع رقيبة علينا.
أحمد البدري مخرج فيلم «نمس بوند» تحدث عن احتكاكه بالداخلية قائلاً: المشكلة أننا أثناء عمل المونتاج عرضنا الفيلم علي الرقابة وسألناهم عما إذا كانت لديهم ملاحظات فقالوا لنا «لا توجد أي ملاحظات»، وبعد أن «قصينا» النيجاتيف فوجئت بمطالبة الرقابة بتنفيذ ملاحظتين بناء علي تعليمات من الداخلية، الملاحظة الأولي هي أن وزير الداخلية لا يقبض علي أحد وبالتالي يجب حذف كلمة وزير، والملاحظة الثانية كانت جملة حوارية، وبعد تنفيذ تلك الملاحظات بالحذف من الصوت فقط، فوجئت بملاحظتين من الرقابة نفسها، الأولي حذف جملة علي لسان البطل هي: «يا بلغة يا ابن البلغة» والثانية هي جملة «حاميها حراميها» فحذفناهما من الصوت فقط أيضًا.
وقال البدري: باعتباري صانعًا للفيلم ومسؤولاً عنه لا أحب تدخل أكثر من جهة للرقابة عليه، وأعتبر ذلك مخالفًا للقانون، واعتقد أن هذا التغير الرقابي حدث في مصر بعد فيلم «هي فوضي»، وأصبحت الداخلية حريصة علي إبداء الرأي في أي عمل فني يتناولها، والحقيقة أنني لاحظت خلال احتكاكي بهم أنهم أكثر تعاونًا من جهاز الرقابة ذاته، لكن هذا ليس تبريرًا لتدخلهم في أعمالنا الفنية مع احترامي الكامل لكل الجهات السيادية بمصر.
من جانبه أكد الناقد علي أبو شادي رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية أن ملاحظات الداخلية تكون في إطار التعاون بين الجهات الرسمية بالدولة والهدف في النهاية هو حماية النظام والصالح العام، والمسألة ليست تعنتًا وإنما قد يكون صانع الفيلم له تقدير معين للصالح العام، ونحن نختلف معه علي هذا التقدير، وقد يكون لتلك الجهات السيادية وجهة نظر أفضل لذا ننصت لبعض ونتحاور ونصل في النهاية لما يفيد البلد.
وأوضح أبوشادي أن ملاحظات الداخلية أو أي جهة أخري تكون خاضعة للتحاور، مؤكدًا: لا نتلقي أوامر من أحد لكن الموضوع باختصار أننا لاحظنا خلال الفترة الأخيرة أن صناع بعض الأفلام يتناولون ضابط الشرطة باعتباره عدوًا للشعب، وأصبح بديلاً لرئيس العصابة في الأفلام القديمة، وهذه الصورة لضابط الشرطة يجب أن نرفضها جميعًا لأنه يفترض أنه حامي النظام، وحتي إن كانت هناك تجاوزات من بعضهم فهذا لا يعني انهم كلهم متجاوزون.
وأشار رئيس الرقابة إلي أن الداخلية كانت رقيبة علي الأعمال الفنية بمصر لأكثر من خمسين عامًا منذ عام ١٩٠٧ وحتي الخمسينيات، وكان كلامهم سيفًا علي رقاب الجميع وملاحظاتهم تتم تلبيتها دون نقاش، كما كانت الكواليس تشهد خلافات بينهم وبين صناع الأفلام، لكن الصحافة لم تكن تجرؤ وقتها علي إثارة كل هذا، أماالآن فنحن نتحاور ونتناقش ونختلف ورغم كل هذا يشتموننا في الصحف.
من جانبه أكد اللواء حمدي عبدالكريم مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة والإعلام أن الداخلية ليست جهة رقابة وأن القانون حدد أن جهاز الرقابة فقط منوط به رقابة الأعمال الفنية، لكن هذا الجهاز يسترشد بآرائنا في بعض الأعمال التي تتناول ضباط الشرطة، ونحن نبدي ملاحظات استرشادية نتحاور فيها ولا نعطي أوامر لأن هذا يخالف القانون، كما أن كتاب السيناريو والمخرجين أحيانًا يسترشدون بنا في بعض الأمور بحيث يصورون الصورة الصحيحة،
والأمور كلها تتم في إطار التعاون بين الداخلية صناع الأفلام، وأعتقد أن صناع الأفلام يجب أن ينظروا إلي الصالح العام بعين الاعتبار وألا يطلقوا لأنفسهم العنان في ابداعاتهم طالما أن تلك الأعمال تعرض عرضًا عامًا للجمهور وتؤثر في الشارع المصري، لكن ما أود تأكيده أن ملاحظاتنا تكون استرشادية وليست أوامر والعلاقة تكون في اطار تعاون وليست تدخلاً يخالف القانون
.

No comments: