أسف على الازعاج
24-7-2008
المصدر: جريدة الجمهورية
السينما دي غريبة جداً.. مثل كل شيء في حياتنا.. تعطيها تعطيك.. ويكتمل نجاحها بفهم ووعي حقيقي لما يطلبه الناس دون افتعال.. ثم عدم
العناد بأن الأشياء الصادمة أو الجارحة للمشاعر هي العبقرية بعينها. أو انهم وحدهم يملكون طبخة أو توليفة النجاح.. ثم تجيء الضربة بالفشل الذريع فيصرخون.. ويتهمون النقاد بأبشع التهم. وكأننا نحن من يصنع الأفلام!! أسوق هذا الكلام بمناسبة فيلم "آسف علي الازعاج" للكوميديان أحمد حلمي. والذي يفاجئك في أكثر من فيلم بوجود ما يسمي "باتقان العمل الفني" حتي ولو كان كوميديا أو صيفيا أو تجاريا!! ولكن عدم وجود معني "الاتقان" هذا هو أُس فساد السينما عندنا.. لاعتقاد البعض بأن عبقريته وحدها تكفي.. فيتدخل في عمل المخرج والمؤلف والمصور والناقد وحتي الجمهور كمان.. أو بفرض الشطط الجنسي علي الناس! الدراما هنا بسيطة ولكنها بليغة.. خطها شاعر الأغاني أيمن بهجت قمر في سيناريو متماسك رغم مفاجأته الدرامية الخاضعة لتفاصيل وجزئيات مهمة تكتشف مدي الحرص عليها منذ بداية العمل وقد يكون هناك اقتباس من فيلم بروس ويلز الشهير "الحاسة السادسة" ولكنه اقتباس محمود لا يستنسخ سوي ما يطلبه الموضوع ويكون في خدمة الغرض بلا زيادة أو نقصان. وهذه براعة تحسب للمؤلف كما تحسب للمخرج خالد مرعي في ثاني تجربة له أيضا مع السينما بالتأكيد هي الأفضل لكليهما معاً!! اننا نعيش مع مهندس الطيران الشاب حسن "أحمد حلمي" وهو وحيد والديه "محمود حميدة ودلال عبدالعزيز" ولديه طاقة عطاء غير محدودة ولكن أحلامه دائما محبطة مما أوقعه في مرض نفسي بسبب عدم فهم من حوله لطبيعة مشاعره.. ارتبط ارتباطاً وثيقا بأبيه الذي يعامله كصديق.. وعندما يموت هذا الأب لا يجد الشاب ما يؤنس وحدته غير استعادة وجود هذا الأب في حياته.. أو في خياله!! يدخل الفيلم في منطقة تداعيات شيقة. خاصة وهو يتعامل مع الأم التي لا تري غير ابنها. ومع الأب الذي لا يراه سواه.. ثم مع حبيبة "منة شلبي" تصادف أن تعرف بها ثم استحضرها في كل تفاصيل حياته! أتذكر بعدما انتهي الفيلم كيف كان الحرص علي ألا يلتقي الأب والأم في تعامل حسي. أو كيف كانا يلعبان الاسكواش والشاب وحده يصد ويرد الكرة دون مشاركة حقيقية من الوالد.. أو كيف كان يحميه الأب في عثراته وكأنها حماية ذاتية أو روحانية منفصلة عن الحياة الطبيعية.. كلها تفاصيل مهمة وموحية وتضع البناء في سياق جمالي يتسق مع الموضوع ويدعم قوة التشكيل العام.. له حق محمود حميدة يشارك في دور الأب في موضة عودة الكبار لمشاركة الشبان.. فالدور به مغامرة ومفاجأة برغم بساطة تناوله الخادعة لخضوعه لتلاعب ابداعي من حيل التشويق.. وأحمد حلمي يصنع لنفسه مكانة خاصة به بين أبناء جيله عرف كيف يصنعها.. ويحقق بها الايرادات أيضا دون فزلكة أو عناد.. ودلال عبدالعزيز ومنة شلبي رغم صغر دوريهما إلا أن حضورهما الملموس أضفي علي الأحداث أهمية بالغة بعفوية المحاكاة التي تمزح بالكوميديا وهي تخبيء التراجيديا في جوفها!!
No comments:
Post a Comment