Wednesday, June 25, 2008

الريس عمر حرب
المصدر: الجمهورية - بقلم المحرر
26/6/2008

غريبة.. أن يعرض في وقت واحد فيلمان يكون فيهما "المكان" هو البطل الرئيسي للأحداث.. بل وأن يرمز بهذا المكان "المنحط"- والمرفوض من جموع الناس باستثناء طبعاً رواده- بالدنيا أو بالحياة التي نعيشها.. ومن "الكباريه" إلي "صالات القمار" يا قلبي لا تحزن! فيلم "الريس عمر حرب" انتقل بالمخرج خالد يوسف من عشوائيات الفقر.. إلي عشوائيات المليارديرات.. ولتصبح الترابيزة "الروليت" هي المغامرة أو المقامرة التي يطل علينا المخرج ليقول كلمته التي خطها هاني فوزي في واحدة من أقل نصوصه جودة بسبب تشتت الرؤية بل وتناقضها في بعض الأحيان!! وأحداث الفيلم تروي من وجهة نظر الشاب خالد "هاني سلامة" الذي يلتحق حديثاً بالعمل "ديلر" في صالة قمار كبري يملكها الرئيس عمر "خالد صالح" والذي بدا من أول لحظة أنه شيطان أخرق يملك الشباب الذين يحولهم خداماً ويملك النساء اللاتي يحولهن إلي داعرات مثلما يملك الفيش وأوراق الكوتشينة.. وهي شخصية يحتار فيها المشاهدون.. فقد يراه البعض إلهاً أو يراه آخرون شيطاناً ملعوناً.. وقد رأيته من وجهة نظري وقد يكون هذا غير مقصود رمزاً للعولمة أو العالم الجديد الذي تقوده أمريكا فهو يتحدث عن العدل ولكن فيما يصب في مصلحته فقط ويتحدث عن الحرية وإتاحة الفرص ولكن فيما يعني الخضوع التام لتوجهاته أو حسب نظرية بوش الشهيرة "من ليس معنا فهو ضدنا" وهكذا يثري الريس من حاجة البشر للمال والنفوذ ويظهر قوته الزائفة بينما حقيقته ضعيفة مخوخة!! وهذه الشخصية المحيرة للريس عمر حرب هي نقطة ضعف درامية الفيلم رغم أنها العمود الفقري له ورغم براعة الممثل خالد صالح في أدائها ولكن حتي هذا الأداء شابه شيء من التخبط وكأنهم لم يتعلموا من السينما الأمريكية نفسها حينما قدمت "فاوست" في أكثر من عمل بديع واضح المعالم والأهداف إن الريس فاوست هنا اشتري الشاب بمجموعة من الخطب الجوفاء لضيق مساحة المكان وضيق أفق الرؤية.. والشاب في حيرة ويزيد تخبطه وعلاقاته الغرامية أو التآمرية في جمع المال إلي اكتشافه أن كل شيء كان مجرد لعبة يتحكم في خيوطها الريس بتاعه الغريب أن هاني سلامة بالذات سبق له ان قدم لعبة مشابهة في نص وحيد حامد "الأولة في الغرام" ولكن كانت بهدف التطهر أما ريسنا هنا فيهدف إلي تدعيم ملكه العضود بالمزيد من تضحيات أصحاب الحاجة في الثراء ومن عرق النسوان!! الشخصية إذن نمطية برغم محاولة تغليفها بالرمز.. والرمز كان ضعيفاً مغلقاً علي نفسه.. وهذا خطأ لا تقع فيه حتي النصوص الأدبية.. لأنك في النهاية تخاطب جمهورا حتي لو كان مثقفاً.. فهو يحتاج إلي اشارات وعلامات موحية لفك اللغز!! إننا هنا لسنا أمام صراع بين قوي متضادة أو بين الخير والشر فالولد منذ البداية عنده استعداد لبيع نفسه للشيطان إذن الصراع بين شر وشر أكبر منه إن عمر حرب يحكي عن خططه ومؤامراته للسيطرة علي الزبائن بشكل صريح ودون حرج بل ويشرح لتلاميذه أساليب التآمر لجذب العملاء وتحمل إهاناتهم واتفاقات الدعارة التي تتم أمامهم!! خالد يوسف يدشن بهذا الفيلم وبوضوح رؤيته للمرأة التي يضعها في "أحط" صورة ممكنة فلم تسعفه جاذبية الصورة في تناول انحلالها بشكل مباشر وهذا ضد الفن فهي تبيع كل شيء من أجل المال والجنس حتي ابنتها البكر!! وهي الذليلة دائماً للرجل حتي ولو كان شيطاناً رجيماً وصل الحال بالبطلة بأن تقوم بالركوب علي رجل وتهتز وهي تتأوه كأنها تمثل فيلم "بورنو" وهي في النهاية "ألعوبة" لشراء الذمم والثراء الفاحش ولا تأخذ غير الفتات. أما الكلمات الجوفاء التي قيلت علي لسان الريس مثل "إنت إله نفسك" و"أنا اصطفيتك" وغيرها فتضرب الشخصية الدرامية في مقتل.. وتذكرني بالكلام الكبير الذي يقال في غير موضعه أو كالطبل الأجوف الذي يفرقع بلا وعي وعدم الوعي هو آفة الفن عندنا.

No comments: