Saturday, June 28, 2008


عالم خالد يوسف الجديد في الريس عمر حرب
28/06/2008
المصدر: جريدة البشاير

خرج خالد يوسف من دنيا المصريين الواقعية كما صورها في حين ميسره وهي فوضي ، الي عالم جديد في الريس عمر حرب . عالم لا ينتمي الي كل المصريين . ولكنه ينتمي الي شريحة صغيرة جدا . وإن كانت مؤثرة بشرورها علي حياة المصريين بكل طوائفهم وشرائحهم .. العالم الجديد كازينو خاص يمثل مملكة الشر التي يديرها الشيطان، والتي أرادها المؤلف هاني فوزي بمفردات بشرية في استكمال واضح لمسيرته بعد فيلمه الناجح «بحب السيما» وكسر تابوهات الجنس والدين وكل ما هو قدسي في علاقة الإنسان بربه، فكانت النتيجة صدمة للجمهور، وصدمة في خالد وهاني! حقيقي أن هناك لغة سينما ومشاهد جديدة تعب فيها خالد يوسف مع مدير التصوير الدكتور رمسيس مرزوق الذي بدت الكاميرا لديه أكثر حركة وأعمق في رصد تفاصيل عديدة، وكان ديكور الكازينو لتامر إسماعيل مميزاً، ومشاهد الكوابيس والأحلام جديدة، وخالد صالح الذي قدم دور الريس عمر حرب وصل إلى قمة النضج في الأداء.. لكن كل هذا لا يكفي لصنع سينما جميلة تثير جدلاً، وتترك ذكريات.ما شاهدناه يكفي فقط لصنع أحاديث نميمة، وتسال كلامية لسهرات الليل عن مشاهد ممارسة الحب بين نجوم الفيلم، وعن الشكل الجديد للقبلة على شاشة السينما.. دون إفصاح لما عرض ويعيد إلى الأذهان أفلام الجنس الشهيرة «حمام الملاطيلي ورحلة العمر وسيدة الأقمار السوداء»، ويجعل الرقابة لا تملك سوى وضع لافتة «للكبار فقط»! يؤكد فيلم «الريس عمر حرب» الذي كتبه هاني فوزي عودة الأسئلة الوجودية والإيمان بالغيبيات، ووجود الله مروراً بأسرار الخلق وانتهاء بالجنة والنار عند الذين يعتنقون الديانات السماوية التي قتلها الفلاسفة بحثاً لا لإعادة تفسيرها والخروج بنتائج جديدة، ولكن لمحاولة التشكيك في العقائد والمفاهيم الدينية التي ترسخت بحكم الزمن وشرائع ونصوص سماوية اكتسبت قدسيتها من إيمان واقتناع البشر بها.ففيلم «الريس عمر حرب» ينتمي إلى كاتبه هاني فوزي من حيث الأفكار التي يطرحها وينتمي إلى مخرجه خالد يوسف من حيث الأسلوب المباشر في طرح هذه الأفكار والتعبير عنها من خلال رموز ألقى بها في وجه المشاهد مع حكاية الفيلم الذي يؤكد أن الكون ليس أكثر من كازينو يستمتع مالكه باللهو برواده والعاملين به والتحكم في مقدراتهم.والأزمة تتجلى هنا في أن هذا العالم «قلب كازينو القمار» لا يعرفه المصريون، يجهلون تفاصيله ومفرداته، فهم ممنوعون بحكم القانون ورغبة أصحاب صالات القمار من دخوله. معرفتهم الوحيدة عنه من خلال أفلام هوليوود، وحكايات الأثرياء العرب الذين يرتادون هذه الأماكن، ومن التحقيقات الصحافية.لكنه في «الريس عمر حرب» الموضوع الرئيسي.. الكازينو هو مركز العالم، تصغير الدنيا، للخروج بخلاصة أفكار فلسفية لاشك في أنها تشغل خالد يوسف ومؤلف الفيلم. خالد يريد أن يستعرض عضلاته الفنية كمخرج في عالم جديد، والمؤلف هاني فوزي اعتبر الكازينو هو الدنيا، والريس عمر حرب في رأيه الشيطان الذي يغوي الإنسان، ويحرك غرائزه الجنسية والمادية.. أراد أن يخلق صراعاً بين الخير والشر على طريقته، ينتصر فيه الشر في النهاية، أليس لغة الشر هي السائدة وانتصاره المهيمن على كل شيء في عالمنا الحالي؟الريس عمر حرب (خالد صالح) مدير كازينو للقمار، هو رجل من طراز خاص، قوي الشكيمة كلمته لا ترد. منذ البداية نعرف أنه مقبل على اختيار «ديلر» جديد من بين أربعين شاباً من الجنسين. و«الديلر» هو مدير مائدة القمار، شخص يجب أن يكون مميزاً وفوق العادة، لأنه يقامر بأموال الكازينو، وعليه أن يدير رغبات الربح والخسارة داخل اللاعبين، وبالتالي فاختياره مهمة شاقة للغاية.من بين المتقدمين خالد (هاني سلامة) الذي يأتي إلى شرم الشيخ للعمل في الكازينو من أجل إتمام زواجه. لكن بعد فترة تعرف الخطيبة طبيعة عمله فتفسخ خطبتها منه، ويقاطعه أهله وأصدقاؤه على اعتبار أن أمواله حرام. لكن هذا لا يدفعه إلى التراجع، بل يستمر في العمل ودخول تحدٍ أن يكون (ديلر محترفاً). والسبب أنه أغرم بالريس عمر حرب، وبقدراته الخارقة في اللعب، وفي إدارة الكازينو بطرق مشروعة، وغير مشروعة.يريد خالد أن يكون مثل الريس عمر حرب، ويغوص في عالم الكازينو وتفاصيله.. يعرف ( البرستتيوت ـ هكذا تقال وتكرر كثيراً في الفيلم) وهي زينة فتاة المتعة والليل (غادة عبدالرازق)، التي تأتي بالزبائن وتقضي معهم السهرات الحمراء.. ويعرف الفتاة التي لها معاملة خاصة من الريس عمر حرب، حبيبة (سمية الخشاب).ويلتقي بالزبائن من جميع الأنواع: الدنجوان الذي مهمته الوحيدة في الحياة اصطياد الثريات وسيدات الأعمال ونهب أموالهن ليلعب القمار على حذر، والشامي الذي يدمن القمار من أجل المكسب السريع المضمون حتى لو من خلال الاتفاق السري مع الديلر على أرقام اللعب.والثري الخليجي الذي يقامر بلا حدود على أن يضمن في آخر السهرة اصطحاب فتاة عذراء إلى غرفته ليفض بكارتها، والسوداني الذي يجرب حظه ويكسب الكثير ليطيح به في الهواء لأنها أموال حرام، والخواجة الذي يقرض اللاعبين بالربا بشيكات أو بضمان السيارة أو المشغولات الذهبية.أحداث الفيلم تدور حول ما يحدث داخل صالات القمار حيث يكشف من خلالها الصراع بين الخير والشر والبقاء للأقوى وشهوة الربح والجنس، لكنه يثير جدلاً واسعاً نظراً لتطاوله على الذات الإلهية في أحد المشاهد التي يقول فيها خالد صالح على لسان الريس عمر في مشهد يجمعه بهاني سلامة: طول ما أنت معايا ما حدش يقدر يمسك في الكون!، فيرد هاني: استغفر الله العظيم.فضلاً عن المشاهد الساخنة التي تخللت أحداث الفيلم بين هاني سلامة وسمية الخشاب من جهة وهاني وغادة عبدالرازق من جهة أخرى، والتي تعامل معها خالد يوسف بمشاهد غير مسبوقة، سواء من حيث العدد أو الجرأة، والتي خففت الرقابة المصرية الكثير منها.فقد أكدت أن العديد من المشاهد الجنسية حذفت، منها مشهد لغادة عبدالرازق وهاني سلامة، وخفف مشهد ممارسة الحب بين سمية الخشاب وهاني في السيارة، كما «حذفت شتائم كثيرة»، بالإضافة إلى الألفاظ الخادشة للحياء التي أصبحت سمة مميزة لأفلام خالد الأخيرة.ما الذي أراد خالد يوسف وهاني فوزي توصيلة للجمهور ؟ وهل طريقة الصدمات وكسر التابوهات هي المثل لتحقيق النجاح وضمان الإيرادات في شباك التذاكر، وهل ورقة التنظير الوجودي والدخول في معارك مع رجال الأزهر أو الكنيسة مبررات دعائية للفيلم؟، أسئلة كثيرة مفجعة ومحيرة لكنها عادية وأقل من العادية في عالم «الريس عمر حرب».
المصدر : جريدة البشاير

No comments: