Friday, June 20, 2008

الغابة ... لماذا لم نقل «تحقيق تليفزيوني»؟.. لأن هناك جهدًا بصريا واضحًا
١٨ /٦/٢٠٠٨
المصدر: المصرى اليوم عدد: 1466
كتب : رامى عبد الرازق

لا يمكن أن نتصور عنوانًا آخر لهذا الفيلم، ولست أدري من أين أتي للمخرج أن يسميه في البداية «شياطين القاهرة».. ولو كان قد سماه «ملائكة الشوارع» أو «ملائكة المدينة» لكانت التسمية أنضج.. لكن ليس في نضج وقوة «الغابة» كدلالة أو إشارة إلي كل ما هو وحشي وغير إنساني داخل أحراش القاهرة.
مشكلة الفيلم في رأيي أنه مباشر أكثر من اللازم في مواضع كثيرة، بل توقف في منطقة رمادية بين الدراما التسجيلية الجافة والمعالجة السطحية لمشاكل واقعية ذات أسباب وجذور شغلت المجتمع في الفترة الأخيرة، هذه المنطقة أضرت بالفيلم دراميا أكثر مما أفادته، خاصة مع التأكيد علي الأسماء الواقعية للشخصيات والوقائع.
اسم التوربيني كان أضعف دلالات الفيلم، حيث أحال ذهن المتفرج طوال الوقت إلي القضية الشهيرة بكل تداعياتها، التي لم نشاهدها في الفيلم، وهو ما أفسد عملية الإيهام الفنية، كما أن صناع الفيلم أصروا علي صياغة المشاهد بشكل حول معظمها إلي ريبورتاجات تليفزيونية عن واقع أطفال الشوارع ومشاكلهم وردود أفعالهم الاجتماعية والنفسية تجاه واقعهم، وأقحم الفيلم حوادث حقيقية لا علاقة لها بخط الفيلم الرئيسي مثل كليب «القفا» الشهير وتلك إحدي آفات الدراما، خاصة إذا لم يتم توظيفها جيدًا، الأمر الذي تشعر معه أنك تقرأ جريدة مصورة تحمل مانشيتات ساخنة. هذا النقل الحرفي يغرز أقدام الفيلم في رمال الميلودرامية الفجة التي تعوق انسياب الرؤية الدرامية إلي ذهن المتفرج.
باستثناء الخط الخاص بشنطة البانجو التي خبأتها «جميلة» - ريهام عبد الغفور - بعد أن أعطاها لها «حمسة» - أحمد عزمي - كي لا يعثر عليها التوربيني - باسم سمرة - حتي بعد أن دفع «برشامة» - حنان مطاوع - لمعرفة مكانها.. باستثناء ذلك لا يوجد خط درامي واضح لبقية شخصيات الفيلم من أطفال الشوارع (رمضان وشلته).. بل يبدو في كثير من المواضع وكأن هناك خطان منفصلان تمامًا، أحدهما قصة لها حبكة وذروة، وهي عملية انتقام التوربيني ممن غدروا به (حمسة وجميلة)، ومحاولة استعادة عرش توزيع المخدرات عبر شبكة أطفال الشوارع.
والخط الثاني مشاهد منفصلة متصلة للواقع اليومي للأطفال، حيث البحث في الزبالة عن بقايا الطعام أو خطف ما لم يمنحهم إياه المجتمع، وكان أحري بالمخرج أن يتم دمج الخطين (أن يكون رمضان وشلته هما شبكة توزيع المخدرات مثلاً لمن هم مثل حمسة والتوربيني)، بعيدًا عن الهتافات الاجتماعية من نوعية «أبويا طردني وأمي مش عايزاني»، أو «أهلي سابوني تحت الكوبري وأنا في اللفة»..
فإما أن يتم عرض الواقع اعتمادًا علي معرفة المتفرج المسبقة بالجذور الاجتماعية والنفسية لمشاكل هؤلاء الأطفال، وبالتالي نتجنب الحكي الميلودرامي عن تاريخ الشخصيات، وإما أن يتم بحث الجذور في حال تقديم حلول أو علي أقل تقدير أن نشرح للجمهور لماذا وصل الحال بهؤلاء الأطفال لهذا الوضع، أما أن نقدم طرحًا مباشرًا وفجًا لعملية طرد طفل من بيت أهله عبرالمربع الخشبي (الأب وزوجته والأم وزوجها) فهذه سطحية لا تليق بصناعة فيلم جاد ومختلف عن التيار السائد.
جاءت كادرات أحمد عاطف الواسعة العميقة ثابتة في حجم واحد وذات عمق كبير يحمل تفاصيل كثيرة، خاصة في مجمل لقطات الواقع اليومي لأطفال الشوارع، حيث المدينة دومًا في الخلف بأبراجها الشاهقة وعماراتها النظيف، التي تبدو جامدة لا علاقة لها بمعاناة هذا الدود البشري المحروم وكل ما تفعله أطنان من القمامة يوميا كي يندسوبينها هذا الدود بحثًا عن طعام، لكن عملية كشف المستور تلك تجاوزت الدلالات البصرية إلي التفاصيل الدموية التي جاء بعضها مبالغًا فيه ووحشيا أكثر مما يحتمل المتفرج، وأعتقد أن التخفيف من حدة هذه اللقطات كان سيعكس فهمًا أكبر لطبيعة متفرجنا، لكن يحسب لأحمد عاطف اختياره لأماكن تصوير خارجية تعكس فكرة الأحراش الداخلية للمدينة، وهو اختيار يعكس بالطبع وجهة نظر إنتاجية لكنها أفادت النظرة، أو الحس الواقعي للفيلم بدلاً من ابتكار ديكورات مفتعلة أو زائفة.
وجاءت الموسيقي كأضعف عناصر الفيلم، خاصة في إصرار عمرو إسماعيل علي استخدام صوت ذكوري يطلق آهات علي خلفية مشاهد هي نفسها تحتوي علي آهات شجار واشتباكات مما أحدث ضجيجًا غير فني في شريط الصوت وأفقده الرؤية الموسيقية الجيدة بدليل أن أكثر المشاهد تعبيرًا بالموسيقي هي تلك التي اعتمدت علي آلة صولو، تعزف جملة تعبر عن القليل من الشجن والكثير من الصمت، الذي يترك لمشاعرنا مساحة للاستغراق في المشهد، بعيدًا عن الآهات
العالية أوالجمل المرحة التي شوشت تلقينا لواقع هؤلاء الأطفال.
ريفيو فيلم الغابة
سيناريو: ناصر عبدالرحمن - أحمد عاطف.
بطولة: أحمد عزمي - باسم سمرة - ريهام عبدالغفور - حنان مطاوع.
إنتاج وإخراج: أحمد عاطف.
مدة الفيلم: ٩٥ دقيقة.
المخرج – المنتج .. أحمد عاطف: الفيلم «ناشف» وعنيف وصادم وكان لابد أن «ينهزم» تجارياً أمام «أفلام العري»
حوار : محسن حسنى
الاعتداءات ضد المواطنين داخل أقسام الشرطة وسرقة الأعضاء البشرية وقضية أطفال الشوارع.. كلها مشاكل يعانيها
المجتمع ووردت ضمن أحداث فيلم «الغابة»، والذي حرص مخرجه ومنتجه أحمد عاطف علي التأكيد عليه هو ترابط تلك المشاكل وكونها أعراض مشكلة واحدة تبرز انتهاك الجسد المصري بدءاً من ضربه ومروراً باغتصابه ووصولاً لسرقة أعضائه.
حول مضمون الفيلم ومعارك صناعه مع الرقابة.. والاتهامات التي وجهت له بالإساءة إلي سمعة مصر وأنه «فيلم موجه
للأجانب» وليس للجمهور المصري.. يتحدث أحمد عاطف في هذا الحوار.

*
أي عمل فني يتناول العشوائيات أو أطفال الشوارع يواجه اتهاماً بالإساءة إلي سمعة مصر، كيف تعاملت مع هذا الاتهام؟
- المشكلة أن تلك التهمة السخيفة لم تستخدم بشكل جزافي إلا مؤخراً، والسينما المصرية تعرض القضايا الاجتماعية منذ الثلاثينيات في أعمال كثيرة مثل «بداية ونهاية» و«القاهرة ٣٠» ولم يتهمها أحد بالإساءة لسمعة مصر وأعتقد أن أهم وظيفة للفنان المنتمي لبلد يعاني مشاكل مثل مصر أن يكون عنده هم اجتماعي، وليس معقولاً أن نهرب من تلك
الاتهامات بتسطيح أعمالنا
الغابة كان عنيفاً وصادماً في رصده الواقع، خصوصاً مشهد اعتداء «التوربيني» علي «جميلة» بشق بطنها وهي حامل؟
- هذا العنف قصدته والهدف منه إرسال رسالة لكل من يهمه أمر هؤلاء الأطفال لكي يفيق قبل أن تنفجر تلك القنبلة الموقوتة، ثم أن الواقع أكثر قسوة من الفيلم وهناك وقائع حرصت علي عدم إدراجها بالفيلم مثل اغتصاب التوربيني للأطفال، وتناوب الاعتداء الجنسي من ١٠ شباب علي بنت جميعهم ينتمون لأطفال الشوارع، كل هذا لم أدرجه بفيلمي
حتي لا تكون الصدمة شديدة علي المتلقي.

* الفيلم ناقش تفاصيل حياة أطفال الشوارع لكنه لم يركز علي المتسببين في تلك الأزمة لماذا؟

- حين نرصد الواقع سينمائياً نركز علي أهم المسببات للأزمة التي نتناولها، وفي «الغابة» أشرنا إلي المسؤولين عن الأزمة سواء بعض رجال الشرطة أو الآباء الذين يطردون أبناءهم أو الحياة في العشوائيات المختنقة والتي ينتج عنها زنا محارم، وكل هذه مسببات لأزمة أطفال الشوارع، ولم نمل للخطابة لأن السينما ليست لغة خطابة.
* اتهم الفيلم بالمبالغة في إبراز فساد أطفال الشوارع، لأنهم لا يعملون في توزيع المخدرات ولا في الدعارة فما تعليقك؟
- هذا الاتهام تم توجيهه لنا من قبل، لكننيء اعتبره اتهاماً باطلاً لأنني قبل عمل الفيلم اعتمدت علي دراسات موثقة صدرت من اليونيسيف وتناقشت فيها مع ناصر عبدالرحمن مؤلف الفيلم كما رصدت الواقع بتأن وحياد وراقبت تلك الأماكن لفترات طويلة.
* هناك اتهام آخر بأن الفيلم ليس به دراما؟
- هناك نظريات في لغة السينما العالمية أسمها التفكيكية والتشظي، وتعني ببساطة أن هناك قضايا يمكن تفكيكها في السينما كما فعلت في «الغابة»، كما أن الفيلم كان به خط درامي بين «التوربيني» و«حمسه» واستمر الصراع بينهما لآخر الأحداث.
* الفيلم متهم أيضاً بأنه أقرب إلي السينما التسجيلية؟
- هذا الكلام اعتبرته غير علمي لأن الفيلم التسجيلي يكون سيناريو غير معد سلفاً، بينما في «الغابة» استخدمنا الكاميرا المهتزة وصورنا في أماكن واقعية، لذا خلط بعض النقاد بين الواقعية والتسجيلية، ربما لمعرفتهم السابقة أن «الغابة» في الأساس هو الفيلم التسجيلي «سبارس» الذي كان مشروعاً لتخرجي في معهد السينما، ومنعه المعهد وقتها من المشاركة في مهرج انات رغم حصوله علي عدة جوائز، لكننا حين حولناه إلي فيلم روائي طويل «الغابة» راعينا أن يكون بعيدا تماماً عن السينما التسجيلية.

* باعتبارك منتج الفيلم ألم تخش من أن عرضه في مهرجانات فنية قد يؤثر علي عرضه التجاري بتصنيفه كفيلم مهرجانات ؟
- التجربة أثبتت أن عرض الفيلم في مهرجانات قد يؤثر سلباً علي عرضه التجاري إذا حدث إجماع بتلك المهرجانات علي أن الفيلم رديء وسيئ، لكن بخلاف ذلك يكون العرض في المهرجانات مفيدا تجارياً لأنه يسلط الأضواء علي الفيلم، بدليل أن الشركة العربية وزعت «الغابة» في موسم الصيف الحالي بعد عرضه في مهرجان «كان» وقبله في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

* باعتبارك المنتج أيضاً كيف تري التنافس بين فيلمك وباقي الأفلام؟
- أري أن التنافس ليس فوق مستوي الشبهات لأنه ليس تنافسا فنيا بحتا وإنما هناك معايير أخري، فبعض الأفلام المنافسة تعتمد علي الأجساد العارية لجذب الجمهور، وبالبلدي فيلمي «ناشف» وهذا ليس في صالحه تجارياً وإن كان في صالحه فنياً، لذا تقلص عدد النسخ المعروضة منه في السوق من ٢٠ نسخة إلي ١٥ فقط، وقد تناقشت مع الشركة الموزعة فأوضحوا لي أنه تأثر تجارياً بالأفلام الموجودة حوله.

* تردد أنك خضت معركة كبيرة مع الرقابة من أجل الفيلم.. فما حقيقة ذلك؟
- لم تكن معركة بالمعني المفهوم وإنما تفاوضت معهم لأنهم طلبوا مني حذف مشاهد كثيرة من بينها مشهد زني المحارم بين «مكنة» وأبيها، لكني رفضت لأني وقتها كنت قد طبعت الفيلم وقلت لهم «اقطعوا من جسدي ولا تقطعوا من الفيلم»، وبعد مفاوضات وافقوا علي عرضه كاملاً بشرط وضع عبارة «للكبار فقط».
* «الغابة» احتوي علي مشهد ضرب داخل قسم شرطة.. فهل قصدت الاسقاط علي تجاوزات الشرطة باعتبارها أحد أسباب أزمة أطفال الشوارع؟
- نعم.. لكنني أؤكد في الوقت نفسه أن هذا ليس حكماً عاماً علي كل رجال الشرطة لأن منهم كثيرين يتميزون بالخلق الرفيع ويتعاملون برفق مع هؤلاء الأطفال، وقد رصدت في الفيلم النموذج السيئ لأن الفيلم يضع يده علي موطن الداء.

* في الفيلم تعددت القضايا المطروحة بين أطفال الشوارع والضرب بقسم الشرطة وسرقة الأعضاء وغيرها ما أدي لتشتيت المشاهد.. فلماذا لم تركز علي قضية واحدة؟
- أعتقد أن كل هذه أعراض لمشكلة واحدة، فمثلاً نزلة البرد لها أعراض كثيرة مثل الكحة والزكام وارتفاع درجة الحرارة، وبالقياس علي الفيلم نجد أن الضرب في قسم الشرطة له علاقة بأزمة أطفال الشوارع، والفيلم عموماً تناول
انتهاك الجسد بداية من الضرب ومروراً بالاغتصاب وحتي سرقة اعضائه.

* هناك تحفظات نقدية كثيرة علي موسيقي الفيلم لأنها كانت متواصلة دون انقطاع فما تعليقك؟
- أتفق معك في هذا.. كان يجب أن نترك مساحة صمت بين الحين والآخر وقد تناقشت كثيراً مع عمرو إسماعيل، لكنه والحق يقال قدم موسيقي متطورة تشعرك بالشجن والصدمة في الوقت نفسه واعتمد في كل موسيقاه علي الآلات الشرقية فقط
.

No comments: