Sunday, June 29, 2008


مـسـجـون تـــرانــزيـــت مــن سـنـغـافـــورة
29/6/2007
روز اليوسف - ماجدة خير الله
حالة واحدة من عدم الارتياح سوف تنتابك أثناء متابعة فيلم «مسجون ترانزيت» رغم الجهد الواضح فى الإخراج، ومحاولة ساندرا نشأت عمل فيلم حركة مثير، ولكن سرعان ما يمكنك أن تكتشف أن شخصيات الفيلم تدور فى فراغ، وكأنها مخلوقات معزولة عن الواقع، بحيث لا تستطيع أن تؤكد إذا كان ما تراه على الشاشة يحدث فى مصر أم فى سنغافورة؟ هناك فرق كبير بين أن ينتمى الفيلم للمدرسة الواقعية، وأن تكون أحداثه فى عزلة عن واقع المجتمع الذى تنتمى إليه! فعندما تشاهد فيلم أكشن أو مغامرات أجنبيا، يمكنك بسهولة أن تحدد ما إذا كان هذا الفيلم أمريكياً أم فرنسياً أم صينياً؟ لأن كل فيلم مهما اختلفت نوعيته لا يستطيع بحال أن يغفل إطاره الاجتماعى! خذ عندك مثلاً فيلم «أنديانا جونز» أو «الرجل الحديدى»، هل تجد صعوبة فى معرفة أن هذين الفيلمين صناعة أمريكية بحتة؟ حتى لو لم تكن على ثقة من اسم المخرج أو الشركة المنتجة، إلا أن منطق الشخصيات وعالمها وفلسفتها وسلوكها كل هذا يؤكد أنها شخصيات أمريكية الصناعة والفكر والمنطق! وإذا افترضنا أن مواطناً فرنسياً أو من الدنمارك أو أمريكا أتيح له مشاهدة فيلم «مسجون ترانزيت»، هل يمكن أن يدرك أن شخصيات الفيلم مصرية أو أن تلك الأحداث لها أى علاقة بالمجتمع المصرى؟ شخصية «على» أو عبدالرحمن هلال والتى قدمها أحمد عز، تبدو فى عزلة عن واقعها، وكأن كاتب السيناريو أراد لها أن تدور فى عالم مسطح بلا عمق ولا أبعاد، فهو يبدو طوال الوقت وكأنه بلا عقل ولا ذاكرة، بحيث يرتكب نفس الحماقة عدة مرات ويخرج من كارثة إلى أخرى ربما تكون تلك ملامح الشخصية التى أرادها له كاتب السيناريو «وائل عبدالله»، ولكن كيف يتفق أن يكون رجل الأعمال الذى عاش ماضياً فى منتهى القسوة، بهذه السذاجة والخيبة، بحيث لا يلتفت إلى حقيقة أنه لا يعرف شيئاً عن الرجل الذى يعمل معه لسنوات، «صلاح عبدالله» رغم أنه يضع كامل ثقته فيه، هل يمكن أن تصدق أن صاحب العمل لا يعرف عنوان موظفيه؟ هل لا توجد لديه أوراق خاصة بهم أو بطاقة تحمل عنوانا؟ لدرجة أن هذا الموظف يصطحب صاحب العمل إلى شقة حقيرة يقنعه أنها مسكنه الخاص، وهناك يقوم بتخديره وسرقة ما يحمله من مستندات خطيرة، ويقدمها إلى خصومه، ثم عندما يفيق أحمد عز يكتشف أن ساعده الأيمن وأهم موظف لديه قد خدعه، وأن تلك الشقة قد استأجرها ليوم واحد، ثم فى مشهد آخر يذهب أحمد عز إلى المسكن الخاص لصلاح عبدالله، ويفاجأ الأخير بمعرفة صاحب العمل لعنوانه؟ ناهيك عن علاقة أحمد عز، بشخصية نور الشريف الضابط المزيف الذى أخرجه من السجن، تحت زعم أنه سوف يقوم بعمل وطنى لخدمة مصر! ولا يندهش أحمد عز من أن تكون تلك الخدمة الوطنية عبارة عن سرقة خزانة بها مجوهرات من لانش بحرى يملكه رجل أعمال إسرائيلى!! ولأن السيناريو سجن معظم الشخصيات داخل ديكورات وأماكن مغلقة، فأنت لا تشاهد الشارع إلا فيما ندر، ولا تعرف إن كان ما يجرى أمامك يحدث فى الإسكندرية أم فى القاهرة. فالمشاهد الأولى من الفيلم تدور فى الإسكندرية، تكتشف ذلك من لون التاكسى، ولكن بعد ذلك تتوه كل ملامح المدينة، وتنتابك الدهشة من أن يتحرك أحمد عز وهو رجل أعمال شهير ويملك معرضاً للسيارات، دون خوف من أن يكتشف أحد أمره خاصة وهو ميت فى نظر المجتمع واستخرج بطاقة جديدة باسم جديد، أما الضابط المزيف المطلوب من العدالة فهو الآخر يتصرف بفجر شديد، ويظهر فى سرادق عزاء ابن أحد أعضاء مجلس الشعب، يعنى المكان لابد أن يزدحم برجال الأمن والشخصيات المهمة، ومع ذلك فإن نور الشريف الضابط المزيف اللى الأمن بيدور عليه لانتحاله شخصية ضابط أمن دولة يذهب للعزاء بقلب جامد، رغم أنه من المفروض يخاف يمشى جنب أى عسكرى أو أمين شرطة؟ فأين يمكن أن يحدث هذا؟ أحياناً تغفل أفلام الإثارة بعض الجوانب المهمة من أجل تدعيم عنصر التشويق، والمفاجأة ولكن ليس لدرجة عزل الشخصيات عن العالم الذى تتحرك فيه، وعن طبيعة المجتمع التى أفرزها، وهذا ما يعطيك انطباعاً بأن الأحداث مقتبسة أو منقولة من أحد الأفلام الأجنبية.. غير أن كاتب السيناريو لم يتمكن من منح الأحداث أى قدر من المنطق يقنع المشاهد بأنها شخصيات وأحداث نابعة من المجتمع المصرى، وهذا أحد أبرز عيوب فيلم «مسجون ترانزيت»!

No comments: