Friday, December 12, 2008


«رمضان» هنيدي.. فيلم تفوح منه روائح مزعجة!
المصدر: جريدة البديل

12/12/2008
هل يمكن أن يكون مؤشراً لمستقبل الكوميديا؟أختلف كثيرا مع الزملاء الذين يهاجمون كل ما هو هزلي، بل كل ما هو كوميدي غالبا. إن مسألة الارتقاء بذوق الجماهير هو أحد الأهداف النبيلة للفن ولكن هذا الارتقاء لا يمكن أن يتحقق بالتعالي علي هذه الجماهير وتجاهلها. وأعترف لكم أنني أحب الأفلام الهزلية وأشعر بقلق شديد عندما لا أضحك علي ما يضحك جمهور السينما العريض عليه. وربما ضبطني البعض متلبسا بالضحك أثناء مشاهدة فيلم هزلي، أو حتي منفردا أو مشتركا في كتابة فيلم من هذا النوع. لست بالطبع في سياق الدفاع عن الفيلم الهزلي، ولكن المشكلة أن تعرضنا بالنقد للأفلام الهزلية أو كوميديا الفارس يعبر عن جهل شديد بنوع من الكوميديا قدمها شكسبير نفسه. لهذا لا يمكن أن ألوم صناع فيلم (رمضان مبروك أبو العلمين حمودة) علي هزلية فيلمهم ولكني ألومهم فقط علي عدم إخلاصهم لفن الهزل أو الفارس.فالمشاهد الأولي من الفيلم توحي لك بأنك مقبل علي كوميديا سياسية تتعلق بفساد التعليم والمسئولين وأبنائهم في بلدنا التي أصبحت بلدهم وحدهم. ولكن رمضان المدرس الريفي القوي الشخصية الجاد العنيف عند اللزوم يصبح الملاذ الوحيد لكبار المسئولين في تربية أبنائهم المدللين الفاسدين. وهنا تتحول الحكاية إلي كوميديا اجتماعية أشبه بمدرسة المشاغبين، وما المانع في تقديم معالجة عصرية لها لا تخلو من منطق واقعي مع بعض المبالغات الكوميدية؟. فالسادة المسئولون المحترمون يدللون أبناءهم ولا شك، ولكنهم أيضا يسعون لتربيتهم وتعليمهم علي الأقل بالقدر الذي يسمح بتوريثهم مناصبهم. ولكن الموضوع يأخذ منحي آخر في غاية من التفاهة والكذب حين يطيح باللمحات الساخرة من واقعنا السياسي والاجتماعي الرديئين حين يكتشف الأستاذ شحاتة أن سبب فساد الأولاد ينحصر فقط في تعلقهم بالمطربة المشهورة فيحاول إبعادهم عنها. المهم أن حضرته سيقع في غرامها بالطبع، وهنا ينتقل بنا الفيلم إلي أجواء (أبي فوق الشجرة) أو المدرس الذي ذهب لإنقاذ تلاميذه من الشرك فسقط فيه. ولكن الأحداث سرعان ما تنتقل إلي الكوميديا الرومانسية مع أغنية ضحك ولعب وجد وحب من فيلم (يوم من عمري).رائحة تفوح من الشاشةلا تشغل بالك كثيرا بالحكاية فلا توجد أي وحدة من أي نوع في الفيلم الذي يجنح في نصفه الثاني إلي نوع مبتكر من السينما يمكن أن نطلق عليه مؤقتا التراجيديا الهزلية. ولكن أسخف مشهد يمكن أن تراه في حياتك هو هذا الذي يحبس فيه الأولاد مدرسهم في الحجرة ويمنعونه من دخول الحمام ليفعل هنيدي أكثر شيء مقزز وقع علي شاشة السينما المصرية عبر تاريخها حين يقضي حاجته بملابسه الكاملة، ولتقضي الجزء المتبقي من الفيلم وأنت تشعر بأن هناك رائحة كريهة تفوح من الشاشة. إن كوميديا دورات المياه أصبحت لونا مستقلا وعنصرا أساسيا للضحك في الفيلم الأمريكي ولكنها لم تستخدم أبدا بهدف تحقيق تأثير مأساوي تراجيدي كما أرادوا في هذا الفيلم، تلك المحاولة التي لم تسفر إلا عن إثارة الشفقة والسخرية والرثاء علي صناعه. ينتهي الفيلم فجأة حين يعود هنيدي للقرية بعد أن يطلق النجمة الحسناء ولكنه سيجدها في الدار بملابس الفلاحات، يهم بالهروب منها ليجد التلاميذ في انتظاره يلحون عليه أن يصالحها. إلي هذا الحد يمكن أن يصل الكذب والتلفيق والضحك علي الذقون من فيلم المفترض أنه بطولة نجم كبير ولمؤلف كبير. كنت أول من وصف يوسف معاطي بالكاتب الكبير وكنت أعتقد أن خروجه من عباءة عادل إمام سيتيح له الانطلاق وإبراز مواهبه بحرية أكبر ولكن تجربته مع هنيدي تطيح بأي أمل يمكن أن يعقد عليه، وتكشف عن استسلامه التام لإفيهات النجم وتجاهله أصول الحبكة وبناء الشخصيات وأبسط أصول المنطق الكوميدي.جهود ضائعةأما وائل إحسان فيقوم بأصعب مهمة ممكن أن يواجهها مخرج فليس هناك موضوع من أي نوع ولا حكاية يمكن أن تروي ولا مواقف تتصاعد ولا مقدمات تؤدي إلي نتائج وهكذا يصبح دور الصورة هو مجرد نقل معلومات أو شرح إفيهات. وبالطبع يتضح من فيلم لآخر الفارق الكبير بين المستوي المتقدم الذي حققه وائل مع أحمد حلمي وحالة انعدام الوزن الذي يظهر بها في أفلام هنيدي. ولكن ماذا يمكن أن يفعل مخرج في فيلم لا يتوقف بطله عن الصياح والصراخ والعويل والضرب والتشليت وتكسير القلل إذا لزم الأمر.لم أكن أتصور أن يظهر الكاتب الصحفي الكبير عماد أديب بعد العرض الخاص ليقدم صناع الفيلم ونجومه بقصائد من المدح. لا أصدق أنه شاهد هذا العمل الرديء البذيء، فلا يمكن لكاتب في مثل قامته أن يتشرف بفيلم كهذا يعبر عن جهل تام بأبسط قواعد وأصول الدراما. وهو ابن أستاذنا عبدالحي أديب الذي علمنا كل الحروف، والذي صنع تاريخه من روائع الفارس الجميل. علي الكاتب الكبير أن يعيد حساباته حفاظا علي الكيان السينمائي الذي أسهم في تأسيسه، وبعد مجموعة من الأعمال المهمة ومنها (عمارة يعقوبيان) و(حليم) و(ليلة البيبي دول) التي قد نختلف مع بعضها أو نتحفظ علي تفاصيل منها دون أن ننكر تقديرنا واحترامنا لها وللمؤسسة التي أنجزتها بإنتاج سخي يسعي نحو تحسين تقنيات وإمكانيات الفيلم المصري، بل وبتوسيع رقعة أسواقه وتوزيعه عالميا بصورة مشرفة سواء في المهرجانات الدولية أو في شاشات العرض التجارية الأوروبية والأمريكية
د. وليد سيف

No comments: