Saturday, December 13, 2008


بين الاقتباس والسرقة.. فارق كبير عن «الدادة دودي» وغيره الكثير

المصدر: جريدة البديل

13/12/2008
محمد الروبي
قديماً قالوا إن أفكار الإبداع محدودة، بل وصل البعض إلي تحديد عددها في ثلاثين فكرة ونيف، لا يمكن أن يخرج عنها أي عمل إبداعي مهما كانت درجة جدته.وقديماً قالوا أيضاً إن المبدعين يقفون علي أعناق من سبقوهم، بمعني أن تطور الإبداع يرتكز بالضرورة علي سوابق حققها مبدعون في زمن سابق.هذا كله يقول ويؤكد إن «الأخد عن» أو «الاقتباس» أو الاعتماد علي فكرة سابقة أو حتي معالجة لفكرة، هو أمر مشروع.. لكن مشروعيته مشروطة، بأن يشعر من يأخذ أو يقتبس، بأنه لا يفعل شيئاً مشيناً، وبالتالي فاعترافه بما يفعل لا يدينه، بل بالعكس يدينه أن يتجاهل الفكرة السابقة، ومن أبدعها، بل وتزداد تهمته حين يصر ببجاحة - لا تليق إلا باللصوص - علي أنه لم يسمع ولم ير ولم يقرأ عن هذا الذي يدعون أنه سرق منه!!تاريخ الإبداع الدرامي «والمسرحي خصيصاً» مليء بالأمثلة عن أعمال أخذت عن أعمال بعضها ينتمي لتاريخ موغل في القدم، وبعضها الآخر ينتمي للعصر نفسه، وهنا لن نجد أشهر من المسرحي العظيم «برتولد بريشت» الذي صاغ رائعته «أوبرا الثلاث بنات» عن عمل أسبق لمؤلف إنجليزي هو «جون جاي» بعنوان «أوبرا الشحاتين» وهو العمل الذي لم يخجل بريشت أن يصفه بالتأليف، دون أن ينكر أنه مأخوذ عن «جون جاي».. وهو العمل نفسه الذي اقتبسه الراحل القدير الشاعر نجيب سرور باسم «ملك الشحاتين» ومن بعده الشاعر الراحل «عزت عبدالوهاب» الذي صاغه مسرحية تحمل عنوان «الشحاتين» وأخرجها القدير عبدالرحمن الشافعي في منتصف الثمانينيات.هذه المتتالية تؤكد أن الإبداع عن إبداع هو أمر مشروع بشرط واحد وحيد وهو أن يكون إبداعاً، ولا يخجل - بالتالي - من ذكر الأصل.في السينما أيضاً أمثلة كثيرة، لكننا سنكتفي بذكر المثل المصري الذي حفر لنفسه موقعاً مهماً في خارطة السينما المصرية وهو «آه من حواء» للراحل القدير «فطين عبدالوهاب» الذي اقتبسه عام 1962 عن رائعة شكسبير «ترويض النمرة»، وكان ولم يزل واحداً من أفضل الاقتباسات لهذه المسرحية علي مستوي العالم. وهو الفيلم الذي حرص مبدعوه علي ذكر اسم صاحب القصة الأصلي «وليم شكسبير» بخط عريض علي «تيترات» الفيلم بزهو يليق بهم.الأمثلة كثيرة.. عالمية ومصرية.. والخجل لا يليق إلا بمن يتلمس بطحته كلما ذكرت فعلته، فيهذي بكلمات أشبه باللكمات، يحاول ترصيعها بحروف صدق زائفة.والأمثلة هنا أكثر.. أحدثها هو ذلك الذي أطلقوا عليه كذباً اسم فيلم ويحمل عنوان «الدادة دودي» ولم يكن سوي تجميع مشوه لمعالجات كثيرة سابقة لرائعة «روبرت وايز»، «صوت الموسيقي»، العمل الذي تكشف شهرته أي محاولة خائبة للتخفي وارتداء ثوب «المصرية» الباهت.ما يدعو للسخرية أكثر، أن بطلة «الدادة دودي» في حوارها مع «البديل» هنا علي هذه الصفحة منذ ثلاثة أعداد ردت علي اتهامنا الفيلم بأنه مأخوذ عن عمل غربي بقولها: «مشاكلنا لسه ما خلصتش عشان نستورد من أمريكا». وهي الجملة نفسها التي يمكن أن نردها إليها، وبالكلمات نفسها، والترتيب نفسه، لنقولها لمن وضع اسمه علي الفيلم «كاتباً» والآخر الذي وضع اسمه «مخرجاً»، ولها كممثلة ادعت أن النقاد «لا يعجبهم العجب»!.. نعم سيدتي «مشاكلنا لسه مخلصتش».. لكن يبدو أن السرقة أسهل

No comments: