لماذا اصبح السيناريو من أضعف عناصر الفيلم المصري؟
source: masrawy.com
12/14/2008
محمد رفعت – خاص - لا أعرف على وجه التحديد كيف تكتب الأفلام بطريقة "الورشة" في السينما المصرية ولا كيف يتم تفسير أجر المصنعية بين المشاركين فيها.
ولا أعرف كيف "تسلق" السيناريوهات في شهر أو شهرين على طريقة "تسليم المفتاح" حتى نلحق بالمواسم والأعياد.
ولكن ما أعرفه وتعكسه بوضوح شاشة السينما هو أن السيناريو من أضعف عناصر الفيلم المصري.
ورغم أن البعض يتحدثون عن أزمة "الورق" فإنني أعتقد أنها أزمة رؤية بمعنى أن بعض المنتجين لا يرون أن المسألة تستحق وجع القلب لتجويد صنع سيناريو جيد طالما أن النجم موجود والدعاية حاضرة وليس من المطلوب – وفقاً لهذه النظرية – أن يعيش الفيلم طويلاً ولكن المهم أن يربح الآن ويحطم الإيرادات تحطيماً وبعدها يا سيدي سيجد مكانه في الفضائيات .. ودمتم!
الغريب أن السينما المصرية عرفت السيناريوهات الجيدة في وقت مبكر كما نشاهد في أفلام مثل "لاشين" و "العزيمة" وقد أتى حين من الزمان كنت تختار بين كتاب السيناريو المحترفين وفقاً لطبيعة الفيلم.
فإذا أردت دراما واقعية مؤثرة عليك أن تذهب "لنجيب محفوظ" أو "علي الزرقاني" أو "صلاح عز الدين".
وإذا أردت فيلما كوميديا يمكنك أن تعطي قصتك للمحترف "أبو السعود الإبياري".
وإذا اخترت ميلودراما تحطم أعصاب الجمهور فلتبحث عن "محمد مصطفى سامي" أو "محمد عثمان".
أما إذا أردتها كوميدية رومانسية فعليك بحجز موعد مع عبد الحي أديب أو الفرنسي المتمصر "لوسيان لامبيرا".
وإذا أردت تقديم فيلم عن مسرحية أو رواية شهيرة فهناك "يوسف جوهر" أو ممدوح الليثي.
وإذا كان المطلوب دراما تشويقية بوليسية فانتظر "صبري عزت" الذي يكون عادة مشغولا مع ملك التشويق "كمال الشيخ" في عمل جديد.
ويمكن كذلك للمنتج أن يختار كاتب الحوار الملائم لطبيعة موضوع فيلمه بين أسماء مثل "السيد بدير" و"بهجت قمر" و"سعد الدين وهبة" و"عبد الرحمن الأبنودي" "ولطفي الخولي"!
فلما حدثت ثورة أو انقلاب السينما عام 1997 أزيح فريق بأكمله من كتاب السيناريو إلى التليفزيون مثل "بشير الديك" و "مصطفى محرم" و"عصام الشماع" و"بسيوني عثمان" و "محمد الباسوسي".
وانحصر الطلب على حفنة معدودة من الأسماء تفاوتت أعمالها صعودا وهبوطا، مدحت العدل - مثلاً - ثبت أقدامه مع "صعيدي في الجامعة الأمريكية" وكان قد بدأ كاتباً للأغاني مع "خيري بشارة".
والمشكلة أن أفلامه تحفل بالمباشرة والمنولوجات الطويلة وتحتاج إلى مخرج يحترف الإبهار – لإنقاذ ما يمكن إنقاذه كما فعل "شريف عرفة" في فيلم "مافيا".
أما "أحمد البيه" فقد ضربت معه من خلال سيناريو فيلم "إسماعيلية رايح جاي" ومشكلته حتى اليوم أن شخصيات أفلامه تبدو وكأنها أشباح متجولة خرجت من أفلام الأبيض والأسود كما في فيلم "رحلة حب".
وانضم أحمد عبد الله إلى القافلة بثلاثة أفلام جديدة مع الراحل علاء ولي الدين وبإدارة شريف عرفة وأفضلها فيلم "الناظر".
وقد أثبت عبد الله أنه موهوب في كتابة الكوميديا ولكنه أقل قدرة على بناء دراما الفيلم من أوله إلى آخره وبعد قنبلة "اللمبي" انطلق لا يلوي على شئ سوى تقديم الإسكتشات الكوميدية.
والمؤسف حقا أن الكثير منها أصبح أكثر غلظة وأثقل ظلاً، وهناك أيضاً " بلال فضل" الذي بدأ بداية واعدة في كوميديا رومانسية جداً هي "حرامية في كي جي تو" ولكنه سرعان ما أغرق السوق بأفلام ضعيفة فنيا، وكانت حجته المتكررة أنه يحكي عن نماذج شعبية هامشية مع أن هذه النوعية من الأفلام كان يقدمها "عباس كامل" و "بديع خيري" بصورة أفضل كثيراً وأقل إدعاء.
والقضية أولاً وأخيراً ليست عمن تكتب وإنما كيف تكتب، وربما كان بلال أفضل نسبيا في أفلام مثل "أبو علي" و "واحد من الناس" ولكن المشوار ما زال طويلاً أمامه خاصة أن الحوار في بعض أفلامه الكوميدية أشبه بجلسات تبادل القافية على المقاهي.!
واندفعت إلى ساحة الكتابة أيضاً أسماء مثل "يوسف معاطي" الذي قدم تجارب متفاوتة المستوى مع "عادل إمام" أفضلها "عريس من جهة أمنية" و "السفارة في العمارة".
ومشكلة معاطي في أفلام عادل إمام أنه لابد أن يحشر "الشويتين" بتوع النجم الكبير مثل انبهار الحسناوات به، وإعطائه الفرصة "لتلطيش الكومبارس"، والمشكلة الأكبر أن بعض أفلامه بعيداً عن عادل إمام سيئة للغاية كما في "معلش إحنا بنتبهدل" مع "أحمد آدم".
وهناك أيضاً "محمد حفظي" وهو سيناريست جيد للغاية يكتب وعيناه على الجديد والمختلف في السينما العالمية ومن أفضل أفلامه "تيتو" و "ملاكي إسكندرية".
والجميل أن هناك مستوى لا يقل عنه حفظي مهما تنوعت أعماله وموضوعاته وأظن أنه سيحقق الكثير لو واصل العمل بجدية وإتقان، أما د."محمد رفعت" فمازال يجرب في نوعيات مختلفة من "أنت عمري" إلى "كشف حساب" ولكنه يحتاج إلى مزيد من الجرأة في المعالجة واختصار الشخصيات وتكثيف الأحداث لأن صناعة الأفلام تختلف عن كتابة المسلسلات.
وفي القائمة أيضاً "نادر صلاح الدين" الذي يستطيع أن يقدم كوميديا الموقف ببراعة ولكنه يفقد الكثير عندما يكتب أنواعاً أخرى كما في فيلمي "الرهينة" و "كود 36".
وتبقى تجربة "خالد يوسف" كمخرج يكتب بعض أفلامه وأفضلها – رغم الملاحظات – هو خيانة مشروعة.
وتجربة محمد أمين المماثلة وأفضلها الفيلم الجميل "فيلم ثقافي" والمستقبل سيحكم على مدى نضج خالد وأمين وإضافتهما للسينما المصرية.
كما أن هناك تجربة مميزة للثنائي أحمد الناظر وسامي حسام في فيلمهما الجيدين "ملك وكتابة" و"لعبة الحب".
ولا يمكن في مجال الكتابة بعض الموهوبات الرائعات اللاتي يحتجن إلى مزيد من الأفلام لتقديم كل مالديهن مثل "وسام سليمان" صاحبة سيناريوهات "أحلى الأوقات" و الفيلم الرومانسي البديع "في شقة مصر الجديدة" وعزة شلبي صاحبة الفيلم المؤثر والصادم "أسرار البنات" و"زينب عزيز" التي تستطيع أن تعيد أمجاد الكوميديا الرومانسية مع الموهوب "تامر حبيب" الذي يحتاج إلى المزيد من الاعتراف بقدراته التي تفجرت في "سهر الليالي" و "حب البنات" ثم تعرضت لكبوة "عن العشق والهوى" لنستعيد ثقتنا نسبيا في "تيمور وشفيقة".
ولدينا أيضاً في مجال التجارب اللافتة كتابة "هاله خليل" للفيلم الجميل "قص ولزق" وتجربة "لميس جابر" الوحيدة في "مبروك وبلبل" في انتظار فيلمها الثاني "محمد علي" وتجربة "ناصر عبد الرحمن" المهمة في فيلم "المدينة".
كما يمكنك أن تتحدث عن تقديم المختلف أو محاولة التجويد والإتقان مع أسماء مثل : علاء عزام فيلم "خريف آدم" وعمر جمال فيلم "أوقات فراغ" وحازم الحديدي فيلم "حرب أطاليا"، ووائل عبد الله فيلم "الشبح"، ومحمد جمعة وأحمد مكي فيلم "الحاسة السابعة"، ونبيل عزت "علاقات خاصة" ومحمد دياب "أحلام حقيقية".
الصورة إذن ليست سوداء تماماً، ولكن المشكلة أن بعض الأسماء التي قدمت فيلماً أو فيلمين أثبتت من خلالها أن لديها الموهبة والرغبة في تحقيق الجديد قد لا تقدم أفلاماً أخرى على الإطلاق.
كما أنه من المؤسف حقا ألا تتواصل أعمال كتاب السيناريو كبار مثل "ماهر عواد" الذي أعتبره من أكثر كتابنا مهارة وأصالة (راجع أعماله مع شريف عرفة) وفيلميه الأخيرين "رشة جريئة" و"صاحب صاحبه" ومثل المتمكن "هاني فوزي" صاحب "أرض الأحلام" و"كرسي في الكلوب" ورائعة "باحب السينما" و "فيلم هندي" والمتميز "سامي السيوي" (فيلم الساحر) و"مصطفى ذكرى" رغم نظرته السوداوية التي تجسدت في "عفاريت الأسفلت" و "جنة الشياطين" وبالطبع المبدع الكبير "داود عبد السيد" الذي قدم في عز الفوضى وسينما القص واللصق فيلمين هامين هما "أرض الخوف"و "مواطن ومخبر وحرامي" وكذلك عاشق السينما "رأفت الميهي" و أفلامه الفانتازية الواقعية للغاية و المناسبة تماماً للظروف الغريبة التي نعيشها في السنوات الأخيرة!.
No comments:
Post a Comment